السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذا هو الدرس العاشر من سلسلة العقيدة – بعنوان بيان الحكم فيمن حكم بغير ماأنزل الله –
اسأل الله عز وجل أن ينفعنى وإياكم بما نسمع
من مقتضى الإيمان بالله تعالى وعبادته الخضوع لحكمه والرضا بشرعه والرجوع إلى كتابه وسنة رسوله عند الاختلاف في الأقوال وفي الأصول وفي
الخصومات وفي الدماء والأموال وسائر الحقوق. فإن اللّه هو الحكم وإليه الحكم. فيجب على الحكام أن يحكموا بما أنزل اللّه. ووجب على الرعية أن يتحاكموا
إلى ما أنزل اللّه في كتابه وسنة رسوله
فمن خالف ما أمر اللّه به ورسوله r بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل اللّه، أو طلب ذلك اتباعا لما يهواه ويريده، فقد خلع ربقة الإسلام والإيمان من عنقه. وإن
زعم أنه مؤمن.
فإن اللّه تعالى أنكر على من أراد ذلك وأكذبهم في زعمهم الإيمان. لما في ضمن قوله: (يزعمون) من نفي إيمانهم فإن (يزعمون) إنما يقال غالبا لمن ادعى دعوى
هو فيها كاذب لمخالفته لموجبها وعمله بما ينافيها. يحقق هذا قوله تعالى: ( وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ ) [ النساء: 60 ]
لأن الكفر بالطاغوت ركن التوحيد. كما في آية البقرة فإذا لم يحصل هذا الركن لم يكن موحدا.
والتوحيد هو أساس الإيمان الذي تصلح به جميع الأعمال وتفسد بعدمه، كما أن ذلك بين في قوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (256) سورة البقرة
حكم من حكم بغير ما أنزل الله:
قال تعالى: { وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} (44) سورة المائدة
في هذه الآية الكريمة أن الحكم بغير ما أنزل اللّه كفر. وهذا الكفر تارة يكون كفرا أكبر ينقل عن الملة. وتارة يكون كفرا أصغر لا يخرج من الملة،
وذلك بحسب حال الحاكم،
فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل اللّه غير واجب، وأنه مخير فيه، أو استهان بحكم اللّه، واعتقد أن غيره من القوانين والنظم الوضعية أحسن منه، وأنه لا يصلح
لهذا الزمان، أو أراد بالحكم بغير ما أنزل الله استرضاء الكفار والمنافقين فهذا كفر أكبر.
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص، ويسمى كافرا كفرا أصغر.
وإن جهل حكم اللّه فيه مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه فهذا مخطئ، له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور
وهذا في الحكم في القضية الخاصة.
وأما الحكم في القضايا العامة فإنه يختلف.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
فإن الحاكم إذا كان ديّنا لكنه حكم بغير علم كان من أهل النار. وإن كان عالما لكنه حكم بخلاف الحق الذي يعلمه كان من أهل النار. وإذا حكم بلا عدل ولا علم
ِ أولى أن يكون من أهل النار. وهذا إذا حكم في قضية لشخص.
وقال أيضا: ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل اللّه على رسوله فهو كافر.
فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل اللّه فهو كفر.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم( مفتى المملكة السعودية رحمه الله )
: وأما الذي قيل فيه: إنه كفر دون كفر إذا حاكم إلى غير اللّه مع اعتقاده أنه عاص وأن حكم اللّه هو الحق، فهذا الذي يصدر منه المرة ونحوها.
أما الذي جعل قوانين بترتيب ( كما عليه الان أغلب الدول التى تنتسب الى الاسلام زورا
وتخضيع فهو كفر وإن قالوا أخطأنا وحكم الشرع أعدل. فهذا كفر ناقل عن الملة
ففرق رحمه اللّه بين الحكم الجزئي الذي لا يتكرر وبين الحكم العام الذي هو المرجع في جميع الأحكام أو غالبها، وقرر أن هذا الكفر ناقل عن الملة مطلقا، وذلك
لأن من نحى الشريعة الإسلامية، وجعل القانون الوضعي بديلا منها فهذا دليل على أنه يرى أن القانون أحسن وأصلح من الشريعة، وهذا لا شك أنه كفر أكبر
يخرج من الملة ويناقض التوحيد.
سبحانك اللهم وبحمدك لاإله إلا أنت أستغفرك وأتوب اليك