حكى ابن حمدون النديم أن الخليفة المعتضد العباسي كان قد شرط علينا أنّا إذا رأينا منه شيئـًا ننكره نقول له، وإن اطـّلعنا على عيب واجهناه به. فقلت له يومًا: يا مولانا، في قلبي شيء أردت سؤالك عنه منذ سنين. قال: ولم أخّرته إلى اليوم؟ قلت: لاستصغاري قدري ولهيبة الخلافة. قال: قل ولا تخف. قال: اجتاز مولانا ببلاد فارس، فتعرّض الغلمانُ للبطيخ (أي سرقوه) الذي كان في تلك الأرض، فأمرتَ بضربهم وحبسهم، وكان ذلك كافيًا. ثم أمرتَ بصلبهم، وكان ذنبهم لا يجوز عليه الصَّلب. فقال: أَوَتحسب أن المصلَّبين كانوا أولئك الغلمان؟ وبأي وجه كنت ألقى اللّه تعالى يوم القيامة لو صلبتهم لأجل البطيخ؟ وإنما أمَرَت بإخراج قوم من قطّاع الطريق كان وجب عليهم القتل، وأمرتُ أن يُلْبَسوا أقبية الغلمان وملابسهم إقامة للهيبة في قلوب العسكر، ليقولوا: إذا صلَب أخصّ غلمانه على غَصْب البطيخ، فكيف يكون على غيره؟ وكنت قد أمرت بتلثيمهم ليستتر أمرهم على الناس.
من كتاب "فوات الوفيات" لابن شاكر الكتبي.