كان الفراء أبرع الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة وفنون الأدب. وكان المأمون قد وكل الفراء يـُلقِّن ابنيه النحو. فلما كان يومًا أراد الفراء أن ينهض إلى بعض حوائجه، فابتدرا إلى نعل الفراء يقدّمانه له، فتنازعا أيهما يقدمه، ثم اصطلحا على أن يقدم كل واحد منهما فردًا، فقدّماها. وكان المأمون له على كل شيء صاحب خبر، فرفع ذلك الخبر إليه. فوجه إلى الفراء فاستدعاه. فلما دخل عليه قال: مَن أَعـزُّ الناس؟ قال: ما أعرفُ أعزَّ من أمير المؤمنين. قال: بلى، مـَن إذا نهض تَقاتلَ على تقديم نعليه وَلِيـَّا عهد المسلمين حتى رضي كل واحد أن يقدم له فردًا. قال: يا أمير المؤمنين، لقد أردتُ منعَهما عن ذلك، ولكن خشيت أن أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها.
من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان.