عندما فتح المسلمون شمال إفريقية، وقبل أن يقوم طارق بن زياد بغزو إسبانيا، هاجر أحد الإسبانيين إلى مراكش، هرباً من ظلم الإسبانيين وبطشهم، واختلط بالمسلمين ، وشرب من مناهل آدابهم وعلومهم، وذهب يوماً إلى مجلس قضائهم، فوجد فقيراً يهودياً، يقدم قضيته للقاضي، الذي أكرمه وسأله عن شأنه، فقال: "أشكو إليك موسى بن نصير قائد جيوش المسلمين، فقد طلب مني أرضي التي أتعيش من فلاحتها، لينزل فيها بعض المحاربين، فطلبت ثمناً بخساً فاغتصبها، وأنا رجل فقير، فقال القاضي، عليَّ بموسى بن نصير فحضر وطلب إليه القاضي أن يقف بجانب اليهودي، وبعد سماع أقوالهما، عذر القاضي موسى بن نصير، وقال له: المفاوضة في الثمن قبل الاغتصاب، ويعوض عما أصابه من انتهاك حرمة حقه، أن تدفع ما طلب، فدفع موسى صاغراً ثم انصرف: فتعجب الإسباني، ولم يصدق أن موسى بن نصير نفسه، هو الذي كان واقفاً بجوار الفقير اليهودي، أمام القاضي، وقال: هذا رجل يهودي، واليهود في إسبانيا، يعتبرون نجساً، ويضطهدون لأنهم ليسوا على دين المسيح، فقيل له: "إن الدين الإسلامي ينهانا أن نأكل أموال الناس بالباطل، وليس على هذا اليهودي إلا الجزية ومتى أداها فله ذمة وحق، مثل ذمتنا وحقنا، وسأل الإسباني، وهل يجوز لفقير أو أحد من الناس، أن يشكو الوالي؟ فقيل له: ولم لا؟ وهل وُلـِّيَ الوالي إلا للقيام على حفظ الحقوق، ورعاية مصالح الناس؟ فأولى به أن يقوم بها فيما يخصه، فقال الإسباني: حقاً أن المسلمين أشباه الملائكة، نزلت عليهم روح من أرواح القدس الأعلى، لينشروا على الأرض، ظلال السلام والرحمة والعدل.