كان عصفور الجنة الجميل في طريق عودته الى عشه وصغاره ،حين سمع صوتاً حزيناً متوسلاً يناديه :
- أيها العصفور .. أيها العصفور !
نظر العصفور الى أسفل ،فرأى صديقه حقل الحنطة .كان الحقل حزيناً يابس الوجه ..وكانت عيناه تتوسلان .
قال العصفور :
- ماذا تريد أيها الحقل ؟
قال الحقل بحزن : - لقد تأخرت عليَّ الغيوم ..ولم تعد سنابلي الضعيفة قادرة على تحمل العطش الشديد .أرجوك ساعدني .
قال العصفور :
- أساعدك ! ..وهل أنا غيمة حتى أتحول الى مطر ؟!
قال الحقل :
لا ..لم أقصد ذلك .
- ماذا تقصد إذن ؟
- أقصد أن تعود أدراجك الى صديقاتي الغيمات ،وتخبرهن أنني بحاجة ماسة الى الماء ..وهن لن يتأخرن عن المجيء الي ..
أرجوك .
أطرق العصفور لحظات ،ثم رفع رأسه وقال:
- أنا آسف أيها الحقل ..لقد أمضيت نصف النهار وأنا أبحث عن الطعام لأطفالي ..وها أنذا عائد به اليهم ..ثم إنني متعب ..أنا آسف .
صاح الحقل:
- أرجوك أيها العصفور ..سأموت .
وتابع العصفور طيرانه غير عابئ بتوسلات الحقل المسكين .سمع الحوار غدير صغير كان يتمدد باسترخاء الى جوار الحقل .
هز الغدير رأسه وتمنى لو يتحول الى نهر ..نهر كبير يكفي لاسكات عطش الحقل الصديق .
ومرت الشهور ..وجاء الصيف بدفئه وشمسه وأحلامه .
أفاق عصفور الجنة من نومه .نظر الى فراخه .كانوا يغطون في النوم .ابتسم ثم فرد جناحيه ،وطار ليبحث لهم عن طعام الإفطار .
دار العصفور ،وبحث كثيراً ..إلا أنه لم يوفق في الحصول على الطعام .
وأخيراً تذكر صديقه حقل الحنطة ،فقال لنفسه : «لاشك أنه الآن مكتنز بالسنابل الذهبية » ..ثم طار باتجاه الحقل وهناك فوجئ العصفور ..كان الحقل حزيناً صامتاً لاأثر للحياة فيه تساءل العصفور : «أين السنابل الذهبية التي كان الحقل يمتلئ بها كل عام؟» ..ولما لم يجبه أحد ،طار ليتابع بحثه عن الطعام .
اقترب العصفور من الغدير الصغير وهو يشعر بعطش شديد ..وعندما حاول أن يضع منقاره في الماء ،صاح به الغدير :
- توقف أيها العصفور ..لن أدعك تشرب من مائي !
- لماذا أيها الصديق ..إنني أكاد أموت عطشاً ؟!
صرخ الغدير:
- لاتدعني صديقك .
- لماذا أيها الغدير ؟
-لأن الصديق هو الذي يحترم أصدقاءه ويعمل على مساعدتهم إن هم احتاجوا اليه .
قال العصفور :
- وهل قصرت في مساعدتك يوماً ؟
- لا ..،لكنك قصرت ،بل امتنعت عن مساعدة أعز أصدقائنا .
قال العصفور :
- ومن الذي امتنعت عن مساعدته ؟
- جارنا وصديقنا الحقل ..ألا تذكر موقفك معه في الشتاء الماضي الا تذكر توسلاته اليك قبل أن يموت ؟ .أطرق العصفور مسترجعاً في خياله صورة الحقل الذي رآه قبل لحظات بلقعاً لاحياة فيه ..وتذكر ماجرى بينهما من حوار في الشتاء الماضي ،وكيف صم أذنيه عن سماع توسلات الحقل المسكين .
شعر العصفور بالألم ..وبأنه السبب في موت صديقه ،فبكى ..ويقال إن العصفور قطع على نفسه عهداً منذ ذلك اليوم بأن يبحث طوال الشتاء عن الغيوم ،ويدعوها لسقاية الحقول العطشى .
لذلك ،وكلما أوشك المطر أن يهطل ،نرى عصافير الجنة تطير قريباً من الأرض وكأنها تبشرها بقدوم المطر .
منقووووووووول