قامت العاصفة مرة أخرى من قلب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فبعد أن طاردوا الدكتور محمد عمارة، وأجبروه على تقديم اعتذار رسمي لهم، ها هي الكنيسة المصرية تستعرض قوتها في مطاردة الداعية الفاضل الدكتور زغلول النجار.
وتحرُّش الكنيسة المصرية بالدعاة أمر قديم يشهد عليه دفتر بلاغات النائب العام.
وهذه المرة تُظهر تلك الجرأة التي وصلت إلى حد التبجح، واستعراض القوى أمام الجميع، كلنا سمع قديمًا قصة الحمل الصغير والذئب الغادر الذي يجتهد ليمنطق شهوته العاتية في افتراس الحمل.
لكن الجديد اليوم هو اجتهاد الذئاب في الفتك بالدعاة، والتنكيل بهم بلا منطق، ولا سبب سوى أنهم دعاة إلى الله.
الدكتور زغلول النجار داعية يقظ يتمتع بحب المسلمين عامة، وقد ارتبط اسمه دائمًا بالقرآن، لاسيما الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ما أعطاه بُعدًا فريدًا بين الدعاة.
كذلك حرص الدكتور زغلول النجار على ألا يكون طرفًا في أي خصومة مع أحد من المسلمين، وقد لمع نجم الدكتور على الساحة بعد رحيل الشيخ الشعراوي، ما أعطاه زخمًا عند العامة، لكن الدكتور زغلول النجار رجل غيور على أمته، يعلم جيدًا ما يُحاك بها من مخططات؛ لذلك تراه دائمًا منخرطًا في قضاياها، حاضرًا في معاركها، مجتهدًا في خدمتها.
ونظن أن الرجل بحكم تخصصه ومكانته وما يتمتع به من حب بين الناس قد أصبح غرضًا لسهام أعداء الإسلام، وعلى رأسهم المؤسسات الكنسية؛ ولهذا تشن عليه من فترة لأخرى هجمات عدائية مركزة.
ثم هو دائمًا مهاجَم بشدة من المنتديات والمواقع المسيحية على شبكة الإنترنت، لكن الأمر أصبح أخطر مما تصوَّره البعض؛ فقد كشفت الأحداث أن الدكتور زغلول النجار طرف في مواجهة خفية مع الكنيسة المصرية ومجموعات التابعين لها، وهذه المواجهة دارت على مدار سنوات عدة.
ومع توحش الكنيسة المصرية وتجبرها في ظل دعم ظاهر من الخارج، ومع المساندة والتشجيع من التيارات العلمانية والليبرالية لهذا النشاط، ومع الخنوع الواضح الذي يصل إلى حد التواطؤ من بعض المسئولين؛ خرج الدكتور زغلول عن صمته وأعلن بجرأته المعهودة في الحق عما يدور خلف الكواليس في مصر.
أعلن الدكتور زغلول عن بعض أسماء المنصرين وشبكاتهم، وأماكن عملهم ووسائل دعمهم، ومشاريعهم، ووضَّح التواطؤ والخنوع لهم من بعض المسئولين.
قال الدكتور في مقابلة مع صحيفة «صوت الأمة» المصرية المستقلة الإثنين 10/12/2007م: "أنا أعلم أن هناك عمليات تنصير تقوم بها الكنيسة المصرية ومعروفة أماكنها، وقد حضر إلى منزلي عشرات البنات والأولاد الذين تنصَّروا ..." وأضاف "لا بد أن يعترف النصارى أن الكنيسة لها عمل منظم لتنصير أبناء وبنات المسلمين، وهذا اعتداء لا يجوز على الإسلام ....".
وتساءل الدكتور قائلاً: "هل من الدين أن تعرض في الكنيسة أفلام قذرة يضعون فيها صورًا مركبة للشيخ الشعراوي والغزالي؟!".
وحول سؤال هل هناك حرب على الإسلام؟
أجاب الدكتور: "هذا صحيح، وإلا فلماذا دخلت أمريكا العراق وأفغانستان؟ بالقطع لأنها حرب على الإسلام"، مؤكدًا أن "هناك جماعة أمريكية لتبني المرتدين من المسلمين والضغط على الحكومات العربية لحمايتهم!".
وقد سمى الدكتور في حديثه بعض كهنة الكنيسة وعلى رأسهم البابا شنودة نفسه، وهنا قامت الكنيسة عليه تطالب بمنعه ومحاكمته على ما قاله، تلك الفئة الباغية التي أماط عنها اللثام الدكتور زغلول النجار يقودها اليوم تنظيم جماعة الأمة القبطية، هذا التنظيم المتطرف الذي زرع فكرته حبيب جرجس في الأربعينيات من القرن العشرين؛ حين كانت مصر ترزح تحت الاحتلال الإنجليزي، ثم أشهرت في وزارة الشئون الاجتماعية عام 1952على يد محام شاب يبلغ من العمر 20 سنة اسمه إبراهيم فهمي هلال، وكان الهدف من إشهارها مواجهة الفكر الديني الإسلامي الذي قامت به جماعة الإخوان المسلمين وقتها، حتى إنها رفعت شعار "الإنجيل دستورنا، والموت في سبيل المسيح أسمى أمانينا".
وأول من اكتوى بإرهاب هذا التنظيم المتطرف هي الكنيسة نفسها؛ فقد قام التنظيم عام 1954 باختطاف البطريرك الأنبا يوساب الثاني من مقر المطرانية وقتها بشارع كلوت بك بقلب القاهرة، وإجباره على توقيع استقالة، ونقلوه بالقوة وتحت السلاح إلى أديرة وادي النطرون، ودعوا الشعب إلى انتخاب بطرك جديد وتحصنوا بالمقر الرئيس للبطريركية؛ ثم تدخلت الشرطة وألقت القبض عليهم وأحيلت المجموعة المسلحة للمحاكمة وصدرت ضدهم أحكام بالسجن، ثم قتلوا جميعًا في ظروف غامضة داخل سجونهم، وأثناء المحاكمة كان الدكتور إدوار غالي الذهبي يترافع ضد المجموعة المقبوض عليها من تنظيم الأمة القبطية، فتلقى سيلاً من التهديدات من باقي أعضاء التنظيم الهاربين ما جعل الداخلية توفر له حراسة مشددة، وقد تقدمت وزارة الداخلية بمذكرتين– الأولى بجلسة 13/5/1954م– والثانية بجلسة 17/ 6/ 1954م بيَّنت فيها أغراض الجماعة التي تهدف إلى إقامة دولة قبطية باستعمال القوة المسلحة وصدر قرار بحل الجماعة.
إلى هنا لم تنته الجماعة، فباقي المجموعة هربت إلى أديرة الصحراء المهجورة.
وكان منهم نظير جيد (شنودة لاحقًا) الذي ترهبن في العام نفسه هربًا من الملاحقة الأمنية؛ باسم الراهب أنطونيوس السرياني، ثم انضم إلى مجموعة متمردة عن الكنيسة تحت قيادة الأب متى المسكين.
وبعد لقاءات ومفاوضات مع البابا كيرلس السادس عاد الراهب أنطونيوس السرياني إلى العمل داخل الكنيسة، وترقى في المناصب بسرعة غريبة، حتى إنه أصبح المشرف على مدارس الأحد، ورئيس تحرير الجريدة الخاصة بها بعد أربع سنوات فقط من رهبنته، وبعدها بثلاث سنوات تم تعينه الأسقف العام للكنسية القبطية وهو منصب كبير وخطير، ولم يحدث أن تولاه راهب بهذه السرعة أبدًا، ووقتها بدأ هذا الراهب يكتب في مجلة مدارس الأحد عن ضرورة إحياء اللغة القبطية وهجر العربية، وتوحد الأمة القبطية بإزاء الغزاة العرب، ما أجبر البطريك كيرلس على معاقبته أكثر من مرة بضغط من الحكومة، لكن مكانة الراهب– المحيرة – بين رهبان الكنيسة وسطوته الغربية عليهم كانت تعيده في كل مرة أقوى مما كان.
ثم تتوالى الأحداث ويصبح الراهب أنطونيوس السرياني (نظير جيد سابقًا) بابا الأقباط النصارى رقم 117 باسم شنودة الثالث في 1971م خلفًا لكيرلس السادس.
ومن يومها لم تعرف مصر سوى التوتر والفتنة الطائفية، فقد كان هذا الرجل هو البوابة التي دخلت منها جماعة "الأمة القبطية" المتطرفة إلى حكم الكنيسة المصرية.
وسارت الكنيسة تحت قيادة هذه الجماعة المتطرفة التي تسعى لتقوية نفوذها، وزرع الحقد والغضب في أبناء الطائفة النصرانية، وعزلها وتنظيمها وانفصالها اجتماعيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا عن الوطن، والناظر إلى الكنيسة اليوم يدرك إلى أي مدى نجحت جماعة الأمة القبطية في مخططها.
فالجميع يعلم أن الكنيسة في الستينيات- عهد كيرلس السادس- استعانت بعبد الناصر لتقديم مساعدات مالية من خزينة الدولة لدفع رواتب العاملين بها، ولم تكن أعدادهم تتجاوز عُشر هذا العدد الموجود الآن، وربما أقل بكثير..
والجميع يعلم أن مبنى الكاتدرائية لم تكن الكنيسة تملك تكاليف بنائه في نهاية الستينيات وأن عبد الناصر تكفل بكل تكاليف إنشائه، حتى تكاليف الديكورات لم تكن الكنيسة تملك ثمنها.
لكن شنودة عندما تولى رئاسة الكنيسة قال كلمته المشهورة: "لقد مضى الزمن الذي يمد البابا فيه يده لأغنياء الأقباط".
وها نحن نرى الكنيسة تملك ميزانية لا تقل عن ميزانية الدولة نفسها في بعض الأحيان، حتى أصبح المال أهم عناصر قوة الكنيسة، وهو الذي كان بالأمس أهم عناصر ضعفها، مصدر هذا المال يظل في أغلبه مجهولاً، فلا العشور ولا التبرعات ولا مشاريع الكنيسة يمكن أن توفر هذا الرصيد الضخم من السيولة المالية.
بعض الأصوات الكنسية المتمردة خرجت تتحدث عن الاتجار بالآثار؛ باعتبار أن معظم الأديرة بُنِيَت على أطلال المعابد الفرعونية القديمة، بعضهم تحدث عن عمليات غسل أموال واسعة، لكن على وجه اليقين لا يستطيع أحد أن يبرهن من أين تأتي أموال الكنيسة؟
والجميع يذكر أن الرئيس المصري السابق أنور السادات وقف في مجلس الشعب في خطابه بتاريخ 10 مايو1980م ليبين أن شنودة يريد أن يجعل من الكنيسة سلطة سياسية، وأنه مَن سبَّب الفتنة الطائفية، وأنه يحرِّض أقباط المهجر أمام الأمم المتحدة وأمام البيت الأبيض الأمريكي، وأنه يتصل بالرئيس كارتر ليحثه على لَيّ ذراع السادات، وإحراج موقف السادات أمامه. وأنه يقف وراء المنشورات التي تُوَزَّع في أمريكا عن الاضطهاد الذي يتعرض له المسيحيون في مصر، وكذلك المقالات والإعلانات المنشورة في الصحف الأمريكية، وأن البابا شنودة يقف وراء مخطط ليس لإثارة الأقباط فقط، ولكن لإثارة المسلمين واستفزازهم.
والجميع يعلم أنه في تقرير لمجلس الشعب المصري أعدته لجنة فرعية مكونة من محمد رشوان وكيل المجلس وكل من حافظ بدوي، محمد محجوب، كمال هنري أبادير، كامل ليلة، ألبرت برسوم سلامة، مختار هاني، كمال الشاذلي، إبراهيم شكري، ألفت كامل، إبراهيم عوارة.
جاء فيه: "تأكد للجنة أن بعض المتطرفين من القيادات المسيحية وبعض المتعصبين من رجال الكنيسة قد حاولوا تضخيم بعض الأحداث الفردية، وتصويرها في صورة صراع ديني، وأنها اضطهاد للأقباط، بل ووصل الأمر إلى حد افتعال بعض الأحداث وإلصاق التهمة بالمسلمين بهدف إذكاء نار الفتنة، واتخذ بعض القسس من مثل هذه الأحداث مادة للموعظة التي يلقونها في الكنائس، فتحولت بعض الكنائس إلى منابر لنشر الشائعات الكاذبة وبثّ روح الفرقة بين المسلمين والمسيحيين. وتسجل اللجنة أسفها مما لديها من قرائن ودلائل على أن بعض القيادات الكنسية، ومنها رأس الكنيسة- شنودة - دأبوا على التشكيك، وأنهم تمادوا في مسلكهم وأوعزوا بطبع منشورات وتسجيلات عن الأحداث دونما تمحيص، وأوعزوا بنشرها في المجلات الصادرة بالداخل والخارج، وأن البابا شنودة يريد أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة".
والجميع يذكر أن شنودة نفسه هو الذي أصدرت هيئة مفوضي الدولة قرارها ضده وفيه:
"إن البابا خيَّب الآمال وتنكَّب عن الطريق المستقيم الذي تُمْلِيه عليه قوانين البلاد، واتخذ الدين ستارًا يخفي أطماعًا سياسية- كل أقباط مصر منها براء- وإنه يجاهر بتلك الأطماع واضعًا بديلاً له، بحرًا من الدماء تغرق فيها البلاد من أقصاها إلى أقصاها، باذلاً قصارى جهده في دفع عجلة الفتنة بأقصى سرعة وعلى غير هدى في أرجاء البلاد، غير عابئ بوطن يؤويه ودولة تحميه، وبذلك يكون قد خرج من ردائه الذي خلعه عليه أقباط مصر".
والجميع يعلم أن شنودة هو الذي أدخل الكنيسة القبطية إلى مجلس الكنائس العالمي وهو حظيرة أمريكية بامتياز يقول عنها هيكل في كتابه خريف الغضب: "إن مجلس الكنائس العالمي يعكس دون أدنى شك رغبة جهات أمريكية معينة في أن يقوم الدين بدور رئيس في الصراع، وإن التحقيقات التي جرت في الكونجرس أثبتت أن مجلس الكنائس العالمي كان من الجهات التي حصلت على مساعدات ضخمة من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية".
ويضيف هيكل: "وفوق منصة الرئاسة يوم الافتتاح كان جلوس وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس شقيق رئيس إدارة المخابرات المركزية الأمريكية آلان دالاس إلى جانب رئيس مجلس الكنائس العالمي، وكان مما قاله دالاس: "أن نبشر بالمسيحية فهذا معناه أن نبشر بالحضارة الغربية".
ويقول عنه الكاتب القبطي المعروف الدكتور وليم سليمان قلادة في كتابه (الكنيسة المصرية تواجه الاستعمار والصهيونية): "إن دعوة مجلس الكنائس العالمي تتجه في صراحة تامة إلى ضرورة تدخل الكنائس داخل البلاد المستقلة حديثًا في سياسة بلادها، وابتداع لاهوتية جديدة لتبرير هذا الاتجاه تقول بأن نشاط الدولة في كل نواحيه السياسية والاقتصادية والاجتماعية هو تحت سلطان الله، ولا بد للكنائس من أن تُبدي رأيها في هذا النشاط، ولا بد من الاستعانة بخبرة الكنائس الغربية حتى يكون اتجاه الكنيسة داخل الدولة المستقلة حديثًا متفقًا مع اتجاه الكنائس المسيحية في الغرب".
ومع هذا فشنودة انخرط في أنشطة هذا المجلس حتى تربع على سدته لفترة من الوقت.
والجميع يعلم أن شنودة هو الذي طرد الكاتب والمفكر المسيحي نظمي لوقا شر طردة ومنع الصلاة عليه؛ بسبب كتابه (محمد الرسالة والرسول) الذي تحدث فيه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم بموضوعية وإجلال، وأقر بصحة نبوءته، ومع أن الرجل مات نصرانيًّا إلا أن هذا لم يشفع له عند شنودة، ودارت أرملته الكاتبة صوفي عبد الله بجثته على الكنائس عسى أن يصلي عليه أحد ولكن دون فائدة.
والجميع يعلم أن شنودة هو الذي تحدى أكبر محكمة قضائية بمصر عندما أصدرت قرارها بإلزامه بتزويج المطلقات فقال أمام الملأ: "لا توجد قوة أرضية تستطيع أن تجبر الكنيسة على مخالفة نص من الكتاب المقدس".
والجميع يعلم أن شنودة هو الذي أشاد بصوته وصورته بمسرحية الخيانة والفسق في الإسكندرية، والتي سخرت من كل مقدسات الإسلام، ولم تقم الدولة على اتخاذ أي إجراء قانوني ضد مرتكبي هذه الجريمة، وتكبر شنودة وقتها عن الاعتذار، أو حتى تبرير موقفه.
والحديث عن شنودة أكثر ما يتسع له المقال، لكننا هنا ألقينا الضوء بإيجاز على صاحب الدعوى القضائية ضد الدكتور زغلول النجار، والرجل الجالس على سدة الكنيسة القبطية المصرية.