القسم الثاني: توحيد الألوهية: ويقال له: توحيد العبادة باعتبارين؛ فاعتبار إضافته إلى الله يسمى: توحيد الألوهية، وباعتبار إضافته إلى الخلق يسمى توحيد العبادة. وهو إفراد الله - عز وجل - بالعبادة. فالمستحق للعبادة هو الله تعالى، قال تعالى: (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل) [لقمان: 30]. والعبادة تطلق على شيئين: الأول: التعبد: بمعنى التذلل لله - عز وجل - بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ محبة وتعظيماً. الثاني: المتعبد به؛ فمعناها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة". مثال
ذلك: الصلاة؛ ففعلها عبادة، وهو التعبد، ونفس الصلاة عبادة، وهو المتعبد به. فإفراد الله بهذا التوحيد: أن تكون عبداً لله وحده تفرده بالتذلل؛ محبة وتعظيماً، وتعبده بما شرع، قال تعالى: (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً) [الإسراء: 22]. وقال تعالى: (الحمد لله رب العالمين) [الفاتحة: 2]؛ فوصفه سبحانه بأنه رب العالمين كالتعليل لثبوت الألوهية له؛ فهو الإله لأنه رب العالمين، وقال تعالى: (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم
والذين من قبلكم) [البقرة: 21]؛ فالمنفرد بالخلق هو المستحق للعبادة. إذ من السفه أن تجعل المخلوق الحادث الآيل للفناء إلهاً تعبده؛ فهو في الحقيقة لن ينفعك لا بإيجاد ولا بإعداد ولا بإمداد، فمن السفه أن تأتي إلى قبر إنسان صار رميماً تدعوه وتعبده، وهو بحاجة إلى دعائك، وأنت لست بحاجة إلى أن تدعوه؛ فهو لا يملك لنفسه نفعاً لا ضراً؛ فكيف يملكه لغيره؟! وهذا القسم كفر به وجحده أكثر الخلق، ومن أجل ذلك أرسل الله الرسل، وأنزل عليهم الكتب، قال الله تعالى: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [الأنبياء: 25]. ومع هذا؛ فأتباع الرسل قلة، قال عليه الصلاة والسلام: "فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد"(1). تنبيه: من العجب أن أكثر المصنفين
في علم التوحيد من المتأخرين يركزون على توحيد الربوبية، وكأنما يخاطبون أقواماً ينكرون وجود الرب - وإن كان يوجد من ينكر الرب ـ، لكن ما أكثر المسلمين الواقعين في شرك العبادة!!. ولهذا ينبغي أن يركز على هذا النوع من التوحيد حتى نخرج إليه هؤلاء المسلمين الذين يقولون بأنهم مسلمون، وهم مشركون، ولا يعلمون.