حديث: "إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب "
(1) باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله
7371- حدثنا أبو عاصم حدثنا زكريا بن إسحاق عن يحيى بن محمد بن عبد الله
بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- بعث معاذا إلى اليمن .
7372- وحدثني عبد الله بن أبي الأسود حدثنا الفضل بن أبي العلاء حدثنا
إسماعيل بن أمية عن يحيى بن محمد بن عبد الله بن صيفي أنه سمع أبا معبد
مولى ابن عباس يقول: سمعت ابن عباس يقول: لمَّا بعث النبي -صلى الله عليه
وسلم- معاذًا إلى نحو أهل اليمن قال له: " إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب
فلَيكن أوَّل ما تدعوهم إلى أن يُوحِّدوا الله -تعالى- فإذا عرفوا ذلك،
فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلُّوا
فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة أموالهم، تؤخذ من غنيهم، فترد على
فقيرهم، فإذا أقرُّوا بذلك، فخُذ منهم وتوقَّ كرائم أموال الناس .
--------------------------------------------------------------------------------
الشرح:
قوله: (بعث معاذا ) فيه مشروعية بعث الإمام من يُعلِّم الناس، ويدعو إلى
الله -عز وجل - قوله: (نحو أهل اليمن ) أي: إلى جِهة اليمن وهي تُقيِّد
الرواية الأولى. وفي الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمره بالتَّدرج
في الدعوة إلى الله -تعالى-، وأن الداعي عليه أن يعرف حال المدعوين وأن
الداعية عليه أن يبدأ بالتوحيد لأن جميع الأعمال لا تقبل إلا بالتوحيد.
قوله: (أن يوحدوا الله).
في رواية (إلى شهادة لا إله إلا الله) وفي رواية (إلى عبادة الله) فالرواة رووا هذه الجملة بالمعنى.
والمقصود معنى هذه الكلمة لا مجرد لفظها، وشهادة أن محمد رسول الله تدخل
ضِمنًا في شهادة لا إله إلا الله، فمن شهد أن لا إله إلا الله ولم يعترف
بِرسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن مؤمنا؛ ولذلك قال تعالى:
قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ الآية. مع
أنهم يعلمون بأن الله واحد، لكن لما لم يؤمنوا بالرسول نفى عنهم الإسلام
والإيمان. قوله: (وتَوقَّ كرائم أموالهم) أي: خذ وسط أموالهم، فأمره ألا
يأخذ الخيار ولا الرديء بل الوسط؛ لأنه إذا أخذ كرائم وأنفس أموالهم، فهذا
ظلم لهم؛ ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم) ودعوة المظلوم يستجيبها الله
-تعالى- ولو كانت من كافر؛ ولذلك جاء أن الله -تعالى- يقول: (لأنصرنك ولو
بعد حين).
ولم يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- الصيام والحج، والجواب عن ذلك: أن
يقال أما الحج؛ فلأنه لم يفرض بعد، وأما الصوم فيحتمل أنه لم يفرض، ويحتمل
أنه يدخل ضمنا؛ وذلك أنه إذا أقر بالشهادتين والصلاة والزكاة، فإنه يعتبر
مقرًّا بجميع أمور الإسلام.
حديث: "أتدري ما حق الله على العباد؟"
7373- حدثنا محمد بن بشار حدثنا غندر حدثنا شعبة عن أبي حصين والأشعث بن
سُليم سمعا الأسود بن هلال عن معاذ بن جبل قال: قال النبي -صلى الله عليه
وسلم-: يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال:
أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، أتدري ما حقهم عليه؟ قال: الله ورسوله
أعلم. قال: أن لا يعذبهم .
--------------------------------------------------------------------------------
الشرح:
قوله: (ما حق الله على العباد) حق الله التوحيد والعبادة والطاعة وأن
يُوَجِّهُوا جميع إراداتهم إلى الله عز وجل. قوله: (أتدري ما حقهم عليه)
حق العباد ألا يُعَذِّبَهم إذا التزموا بالتوحيد، وحق الله -تعالى- حق
إلزام ووجوب، وحق العباد حق تفضل منه وإكرام، لم يوجبوه على الله -تعالى-
بل هو الذي أوجبه على نفسه.
كما قيل:
ما للعباد عليـه حـق واجب
كلا ولا سـعْيٌ لديـه ضائـع
إن عُـذبوا فبعدله أو نُعمـوا
فبفضله وهـو الكريم الواسع
حديث: " إنها لتعدل ثلث القرآن "
7374- حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن
بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه-: أن رجلا سمع
رجلا يقرأ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي -صلى
الله عليه وسلم- فذكر له ذلك، فكأن الرجل يَتَقَالُّهَا، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن زاد إسماعيل
بن جعفر عن مالك عن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي سعيد أخبرني أخي قتادة بن
النعمان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
--------------------------------------------------------------------------------
الشرح:
قوله: (تعدل ثلث القرآن) أي: تعدل ثلث القرآن في الفضل والأجر، وليس معناه
أنه يكون بذلك قارئا للقرآن كاملا؛ ولذا لو قرأها في الصلاة ولم يقرأ
الفاتحة لم تصح صلاته، ووجه كونها تعدل ثلث القرآن، هو أن القرآن على
ثلاثة أقسام:
1- توحيد الله بأنواعه الثلاثة (توحيد الله في ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته).
2- القصص والأخبار الماضية والمستقبلة.
3- الأوامر والنواهي، وسورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تخلَّصت للنوع
الأول، ولذا جاء أنها صفة الرحمن. قوله: (أحد) أي: أنه توحَّد -سبحانه- في
ذاته وفي أسمائه وصفاته. وقوله: (الصمد) هو القائم بنفسه، والقائم به غيره
الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها. قوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ فهو
-سبحانه- لم يتفرَّع من شيء، ولم يتفرَّع منه شيء.
حديث: "لأنها صفة الرحمن"
7375- حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب حدثنا عمرو عن ابن أبي هلال أن
أبا الرجال محمد بن عبد الرحمن حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرحمن -وكانت في
حجر عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عائشة -رضي الله عنها- أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- بعث رجلا على سريَّة، وكان يقرأ لأصحابه في
صلاتهم، فيختم بــ "قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي -صلى الله
عليه وسلم- فقال: سلوه لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن،
وأنا أحب أن أقرأ بها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبروه أن الله
يحبه .
--------------------------------------------------------------------------------
الشرح:
قوله: (صفة الرحمن) فيه إقرار من النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الرجل،
أنها صفة الرحمن وفيه أن من أحبها مخلصا في ذلك أحبَّه الله -تعالى-، وجاء
في رواية (أنه يقرأ سورة قبلها، ثم يقرأ سورة الإخلاص) وجاء في رواية
(حبُّه إياها أدخله الجنة).
باب قول الله: "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ"
حديث: "لا يرحم الله من لا يرحم"
(2) باب قول الله تبارك وتعالى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا
الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
7376- حدثنا محمد بن سلام أخبرنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب وأبي
ظبيان عن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال:قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: لا يرحم الله من لا يرحم الناس .
--------------------------------------------------------------------------------
الشرح:
قوله: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ فيه إثبات اسمين من
أسماء الله -تبارك وتعالى- وهما (الله والرحمن) قوله: (الله) هو أعرف
المعارف، وأصل (الله) الإله: من أله يأله ألوهة، فهو مألوه واسم (الله)
واسم (الرحمن) لا يصح لأحد من الناس أن يتسمَّى بهما. ولما سمى
مُسَيْلِمَةُ نفسه بالرحمن، لازمه اسم الكذاب.
وأسماء الله -تبارك وتعالى- مُتَضَمِّنة الصفات، فهي مشتقة ليست جامدة
(فالله) متضمن للألوهية (والرحمن) متضمِّن لصفة الرحمة. وسبب نزول هذه
الآية معروف في كتب التفسير قوله: (لا يرحم الله) متضمِّن لصفة الرحمة
لله، تبارك وتعالى.
فائدة:
أسماء الله تعالى على قسمين
أ- أسماء خاصة به -سبحانه- مثل (الله - الرحمن - ذو الجلال والإكرام - المدبِّر - خالق الخلق...).
ب- أسماء تطلق على الله -تعالى- وعلى غيره مثل (الرحيم - العزيز - الحي...).
وفي هذا الحديث إثبات صفة الرحمة، والرحمة خاصة به -سبحانه-، أما الرحيم، فليس خاصًّا به.