يعلو هذه الأيام صوتٌ على صوت الأسير فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، فقد خرج الآلاف فى مختلف مدن الضفة الغربية وقطاع غزة، بل فى المخيمات الفلسطينية فى لبنان، بفعاليات تنوعت بين خيم الاعتصام والتظاهر والإضراب عن الطعام، التى شارك فيها الأهالى بدعوات من الفصائل الوطنية، على رأسها «فتح» و«حماس» للمرة الأولى منذ ٢٠٠٧، وذلك دعما لأسرى الاحتلال الإسرائيلى، الذين وافقت أمس الأول ذكرى يومهم الـ٣٦.
ففى ١٧ أبريل من عام ١٩٧٤، جاء تحرير محمود حجازى، كأول أسير فلسطينى ضمن عملية تبادل للأسرى مع إسرائيل، ليتحول هذا التاريخ منذ ذلك الوقت إلى يوم للحرية وذكرى لإحياء التضامن مع أسرى المعتقلات الإسرائيلية.
وبالرغم من أن ملف الأسرى لا يندرج ضمن قضايا الوضع النهائى، فإنه إحدى أكثر نقاط التفاوض حساسية، نظرا لبعده الإنسانى لنحو ٧٥٠٠، رجالا ونساء وأطفالا، ولاسيما أنه ما من بيت فلسطينى إلا ومنه أسير. بمعنى آخر فإن ما لا يقل عن نحو ثلث الشعب الفلسطينى يتعرض للأسر أو الاعتقال «الإدارى»، خلال تلك المداهمات اليومية التى يتم خلالها احتجاز مئات الشباب بشكل جماعى عشوائى، دون لوائح اتهام أو حتى محاكمة.
ووفقا لتقارير حقوقية لا تتورع سلطات السجون عن ممارسة حروب نفسية بحق الأسرى وذويهم داخل الجدران وخارجها. فمن ناحية، تتنوع عمليات التعذيب والتنكيل والإذلال، فضلا عن تحويل معتقلات نائية عن التجمعات السكانية الإسرائيلية، وعلى رأسها «معتقل النقب»، إلى حقل تجارب للفلسطينيين الرازحين داخله، والذين تحدثت عنهم عشرات الدراسات التى أكدت إصابتهم بأمراض سرطانية شتى نتيجة تعريضهم عمدا لإشعاعات صادرة من مفاعل «ديمونة» المجاور، بهدف إجراء تجارب علمية إسرائيلية.
وإلى جانب افتقار هذه المعتقلات للحد الأدنى من مقومات الحياة الأساسية، فى انتهاك صارخ للقوانين الدولية ومواثيق جنيف، يعانى ذووهم خارج الأسوار من إجراءات انتقامية مثل مداهمة البيوت، وتفتيشها، واحتجاز أصحابها، وفى كثير من الأحيان هدمها.
يضاف إلى ذلك منعهم من زيارة الأسرى دون إبداء أسباب، وهو ما أدى إلى وفاة العديد من الأسرى أو ذويهم دون تمكن أهلهم من وداعهم، علما بأن عمليات الوفاة وحدها كثيرا ما تحوم حولها الشكوك، ولعل أحدث هذه الحالات هو الأسير رائد أبوحماد (٣١ عاما)، الذى حملت «حماس» مصلحة السجون الإسرائيلية مسؤولية استشهاده فى سجن «إيشل» بعد عزل دام أكثر من عام ونصف العام.
ولأن تحرير الأسرى يعد أحد «الثوابت» الوطنية، على المستويين الشعبى والرسمى، فقد أفرز هذا الملف ما وصفه الأسير السابق، والباحث المختص بشؤون الأسرى عبدالناصر عونى فروانة، بـ«ثقافة» أسر جنود الاحتلال، وتحويلهم إلى ورقة تفاوضية بهدف تحرير أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين والعرب.
وإذا كان «جلعاد شاليط» هو أحدث تلك الأوراق، فإن هذه الوسيلة تضرب إلى الستينيات كأدبيات المقاومة الوطنية، وبدأتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التى أجرت أول صفقة تبادل للأسرى فى يوليو ١٩٦٨، عندما اختطفت المناضلة ليلى خالد طائرة إسرائيلية وأجبرتها على الهبوط فى الجزائر، واحتجزت ركابها كرهائن ليفرج عنهم لاحقا فى صفقة حررت ٣٧ أسيراً فلسطينيا. وتلت هذه الصفقة عمليات أخرى ناجحة لفدائيين من «فتح» و«حماس».
ونظراً لتعاطى إسرائيل مع أسر جنودها بحساسية شديدة نتيجة للضغوط الداخلية التى تواجهها الحكومة من قبل الرأى العام، تنجح بعض صفقات التبادل المحدودة فى تحرير معتقلين فلسطينيين مقابل مجرد «معلومات» عن أوضاع جنودها الواقعين فى الأسر. أبرز تلك العمليات كان إطلاق سراح ٢٠ أسيرة فلسطينية، مقابل حصول إسرائيل على معلومات عن حالة «شاليط».