كان جمال عبدالناصر فى الأربعين من عمره وفى أوج تألقه السياسى بعدما نجحت ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢.. فشلت كل مساعى القوى الاستعمارية فى الحد من امتدادها لتهز المنطقة بأسرها لتكون أشبه بالزلزال الذى هز عرش إنجلترا منذراً بغروب الشمس التى تباهت بأنها لا تغرب عنها أبداً؟!
وقد فشل حلف بغداد عام ١٩٥٥ وفشل أيضاً العدوان الثلاثى على مصر عام ١٩٥٦ ليشهد يوم ٢٢ فبراير عام ١٩٥٨ ميلاد كيان عربى غير مسبوق اسمه الجمهورية العربية المتحدة، فقد اتحدت مصر وسوريا ووقعت اتفاقية الوحدة بين الرئيس جمال عبدالناصر ونظيره السورى شكرى القوتلى الذى آمن بالثورة المصرية ومُفجرها وبأن الوحدة هى السبيل لقوة العرب بعد وهن طويل تحت نير الاستعمار وأعوانه..
ومجدداً لسنا بصدد التأريخ بل نحن بصدد استحضار أيام المجد التى ولت، ونحاول أن نسترجع حلاوتها ونستبعد مرارتها، آملين الخير لأمتنا العربية، ونعود لدمشق فى أيام الوحدة يوم أن خرجت على بكرة أبيها لتستقبل جمال عبدالناصر وتحمل سيارته وهو فيها.. لقد كان هذا إحساساً صادقاً، فالحب لا يعبر عنه بالأمر بل بالصدق، وعلى مدى ثلاث سنوات ونصف تقريباً استمرت التجربة.. ولها مقومات عبرت عنها الوحدة..
وهناك من تربص ليقتل الوحدة فى مهدها.. وبالطبع كانت إنجلترا فى المقدمة، وكذا من تأثرت مصالحهم من الوحدة فى داخل سوريا، ليشهد يوم ٢٨ سبتمبر عام ١٩٦١ انقلاباً على الوحدة تزعمه المقدم عبدالكريم النحلاوى، الذى كان مديراً لمكتب المشير عبدالحكيم عامر -فى دمشق- وحاول عبدالناصر الإبقاء على الوحدة، ولكن الرياح كانت عاتية.. ليتم الانفصال.. ولتشهد سوريا بعد الوحدة عدة انقلابات.. فيا ليتهم توحدوا.. على هامش السيرة..
فلم تكن الوحدة شراً.. بل هى الخير بعينه، فقد اجتهد عبدالناصر والقوتلى وحاولا تجسيد حلم ليضحى واقعاً، ولكنه تبدد بعد أن تحالفت ضده قوى الشر، وقد أثبتت هذه التجربة حسبما ذكر السيد سامى شرف أن الوحدة حقيقية وأن أسسها صحيحة وأنها جسدت حلم الأمة العربية، وشاء القدر أن يكون يوم وفاة عبدالناصر هو ٢٨ سبتمبر، نفس يوم الانفصال الذى تم فى عام ١٩٦١.. كان رحيله عام ١٩٧٠ نهاية حلم جميل عاشت فيه الأمة العربية أياماً لن تعاد، عنوانها أيام المجد؟!