من خطب دكتور محمد سعيد رمضان البوطى
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، ياربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبيٍ أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيراً ونذيراً، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد؛ صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم ـ أيها المسلمون ـ ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى.
أما بعد:
فإن الله سبحانه تعالى يقول في محكم تبيانه: {تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 67/1-2] . لاحظوا - يا عباد الله - كيف أن الله عز وجل قَدَّم الاهتمام بالموت على الحياة؛ مع العلم بأن الحياة مُقَدَّمَة على الموت بالنسبة للمرحلة الزمنية والواقع الذي يعيشه الإنسان، ومع ذلك فإن البيان الإلهي لم يلتفت إلى المنهج الزمني والترتيب الميقاتي، وإنما قال: { الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياة}. والحكمة من ذلك: أن يلفت البيان الإلهي نظر الإنسان إلى أن عليه أن يهتم بما هو مُقْبِلٌ عليه أكثر من اهتمامه بما هو مُتَقَلِّب فيه. إن من الأهمية بمكان؛ وأنت تتقلب في حياتك التي تعيشها اليوم؛ أن تتأمل في الموت الذي أنت مُقْبِلٌ إليه عما قريب. فمن هنا قَدَّم ذِكر الموت على الحياة.
ولكنَّ الإنسان يعيش في حياته هذه التي يتقلَّب في غِمارها متعاملاً مع نقيض ما يقوله بيان الله عز وجل؛ يُعْرِض عما هو مُقْبِل إليه شاء أم أبى، ويضع كل هَمِّه وكل تَصَوُّراتِه ويَحْبِس سائر أحلامه في حياته الدنيوية التي هو مُعْرِض عنها عما قريب. وعلى الرغم من أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لَفَتَ نظرنا إلى هذا الذي يوحي به بيان الله عز وجل فقال: ((أكثروا من ذِكْرِ هادم اللذات ومُفَرِّق الجماعات، فإنه ما ذُكِر في كثير - أي من المعاصي - إلا قَلَّلَه، وما ذُكِر في قليل - أي من الطاعات - إلا كَثَّرَه)). على الرغم من أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لَفَت نظرنا إلى هذا الذي يوحي به بيان الله سبحانه وتعالى فإن الناس - أو أكثر الناس - مُعْرِضون عمّا هم مُقْبِلون إليه، ومتناسون له أو متغافلون عنه، ويتقلبون بدلاً عن ذلك في غمرة حياتهم الدنيا التي هم عما قريب مُعْرِضون عنها. وهذا الإعراض - أيها الإخوة - هو الذي يجعل من الموت مصيبة.
إن الذي يجعل من الموت مصيبة تتربَّص بحياة الإنسان ليس حقيقة الموت ذاته؛ وإنما الذي يجعل الموت مصيبة حقيقةً إعراضُ الإنسان عن الموت؛ ومن ثَمَّ عدمُ تهَيُّئه للموت الذي هو مُقْبل إليه، وعدم تهيُّئه لما بعد الموت. فهذا هو الذي يجعل من الموت مصيبة، والذي جعلها كذلك إنما هو الإنسان ذاته. ومن عجب أن بيان الله عز وجل يُؤكّد ويُكَرِّر هذه الحقيقة لنا بأساليب شتى في محكم تبيانه، وأن المصطفى صلى الله عليه وسلم يَلْفِت أنظارنا إلى هذا المعنى مُنَبِّهاً ومؤكِّداً؛ ومع ذلك فإن من شأن أكثر الناس أن يُعْرِضوا عن الحديث عن الموت. وإذا وجدوا في أنفسهم في مناسبة تستدعي الحديث عنه تغافلوا عنه. وإذا أتيح للواحد منهم أن يَفِرَّ من الحديث عنه فَعَل. وإذا أتيح لأحدهم أن يُسْكِت المتَحَدِّث عن الموت فَعَل أيضاً. وإنه لأمر مذهل ومضحك؛ لو كان هذا الفرار بالسماع أو بالنفس عن ذكر الموت مُحَرِّراً للإنسان عن الموت لكان هذا عملاً مقبولاً ومعقولاً. ولكنّ الإنسان يعلم، كل الناس يعلمون أن الموت هو القَدَر الذي لا يمكن لأحد أن يَفِرَّ منه {كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْت} [آل عمران: 3/185، والأنبياء: 21/35، والعنكبوت: 29/57]. وصدق بيان الله عز وجل القائل: {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُم} [الجمعة: 62/8]. وصدق ربنا عز وجل إذ يقول: {أَيْنَما تَكُونُوا يَدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 4/78]. فمالك تُعْرِض عما هو متربِّص بك؟ مالك تُعْرِض عن نهاية طريق كُتِب عليك أن تسير فيه وهو ذو اتجاه واحد؟ لا تستطيع أن تعود القهقرى من طريقك هذا. لماذا تُغْمِضُ عينيك عن المحطة الأخيرة التي أنت صائر إليها؟ هذا هو الأمر الذي يُضْحِك؛ وشرُّ البلاء - كما قالوا - ما قد يُضحِك في كثير من الأحيان.
أيها الإخوة: أريد في هذه الدقائق أن أُوْضِحَ لكم الخطأ الكبير الكبير من إعراض الإنسان عما هو صائر إليه، ثم أن أُوْضِح لكم ولنفسي الدواء الذي إن استعملناه هان علينا ذكر الموت؛ بل ذاب معنى المصيبة فيه أيضاً.
أما الخطأ والخطر في إعراضنا عن الموت فهو: أن الإنسان إذا أعرض عن هذا الذي هو صائر إليه؛ فمعنى ذلك أنه يجعل من الموت فداء لهذه الحياة الدنيا. هذا هو تفسير هذا الموقف ولا ثاني له. معنى إعراضِنا عن الموت وتجاهلنا له وتناسينا لأمره: أننا نجعل من الموت وما بعد الموت فداءً لحياتنا الدنيوية التي نتقلب فيها. فاعْجَب لإنسان يجعل من الباقي فداءً للفاني. فاعْجَب لإنسان يجعل مما هو صائر إليه ومُنْتَهٍ إليه فداءً لطريق يَمُرُّ به؛ لمعْبَرٍ يسير فيه؛ لجسر يقطعه إلى غاية. لئن كان الجنون فنوناً فإن هذا لأسوأ فنون الجنون. لا ريب في ذلك قط. نحن نسير من حياتنا الدنيا هذه - أيها الإخوة - في مَعْبَر. وكم وكم يَقْرَع أسماعَنا بيان الله عز وجل القائل: {قل متاع الدنيا قليل و الآخرة خير لمن اتقى} [النساء: 4/77] وكم نسمع قول الله عز وجل: {لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتاعٌ قَلِيل} [آل عمران: 3/197]. وكم نسمع قوله سبحانه وتعالى: {اعْلَمُوا أَنَّما الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٌ وَما الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُور} [الحديد: 57/20]. هذه الحقيقة لا يجهلها أحد؛ ومع ذلك فما أكثر مَنْ يُصِرُّ على أن يجعل من الباقي الذي لا مناص منه ولا مفر منه فداء للفاني، فداء لهذا الجسر الذي نَعْبُرُه ونَمُرُّ به. فهذه هي خطورة الداء، وتلك هي ظاهرة المصيبة في حياة الإنسان. ليس الموت مصيبة؛ إنما المصيبة هذا الواقع الذي يمارسه الإنسان باختياره.
أما الدواء؛ ما الدواء الذي إن استعملناه هان علينا ذكر الموت، بل ربما أَطْرَبَنا ذكر الموت؟ الدواء أيها الإخوة: أن نستعد لما بعد الموت. الدواء: أن نُصْلِح حالنا مع الله. الدواء: أن نَعمُر حياتنا التي نحن مُقْبِلون إليها، وأن نضع كل همّنا أو جُلَّ همّنا لبناء ذلك الغِراس، لإشادة البناء الذي نحن مقبلون إليه. فإن نحن فعلنا ذلك، وإن عَمَرْنا الطريق بيننا وبين الله عز وجل بالتوجه إليه على الصراط الذي أَمَر، وبالتزام النهج الذي أوصانا به وذكَّرنا به؛ فلن يكون غائبٌ أحبَّ إلينا من حاضر من الموت؛ ذلك لأن الموت يصبح بوابة الوصول إلى الله، يصبح بوابة الوصول إلى الإله الذي استَجَبْت لأمره وحقَّقْتَ ما أوصاك به، ففاض قلبك حباً له، وفاض قلبك اشتياقاً إليه. وما الجدار الذي يحول بينك وبين رؤيته؟ شيء واحد لا ثاني له؛ ألا وهو جدار الموت. عندئذ سيجعل الشوق فؤادك ينتظر لحظة هبوط هذا الجدار وزواله لتتجاوزه إلى لقاء الله سبحانه وتعالى. هذا هو الدواء أيها الإخوة.
وأنا أضرب لكم مثلاً: إنسانٌ استأجر داراً لعشر سنوات بعقد يَنُصُّ على أن يخرج من هذه الدار في نهاية السنوات العشر، وله دار على مقربة من هذه الدار التي استأجرها ولكنها خَرِبَة. هذا الإنسان لما سكن في هذه الدار التي استأجرها غَرَّه مَظْهرُها، غَرَّه ما فيها من بَهْرَج وزينة فأنساه ذلك الأَلَق داره الخَرِبَة التي لابد أن يصير إليها. ومرت السنة تِلو السنة تِلو السنة وهو سكران بهذه الدار التي استأجرها والتي لابد أن يخرج منها عما قريب. ولما مرت السنوات العشر جاء صاحب الدار يقرع باب داره ويُذَكِّره بضرورة الخروج منها؛ لأن عقد الإيجار قد انتهى. وعندئذ تذكَّر أن داره خَرِبَة لا تَصْلُح للسكنى فيها، وينظر إليها من كَثَب ويراها وكأنها تقول له: إنني آسفة، لا أَصْلُح لك، لا أَصْلُح للسكنى. لابد أن يكون خروج هذا الإنسان من هذه الدار مصيبةً وأيَّ مصيبة. لكن من الذي جعل من خروجه مصيبة منها؟ نسيانه لما هو صائر إليه، نسيانه لتلك الدار التي لابد أن ينتهي إليها، وتَعَلُّقُه بما هو مفارقٌ له. هذا هو الذي جعل من خروجه من دار الناس مصيبةً وأيَّ مصيبة.
لكن انظروا إلى العاقل؛ الذي بدأ منذ أن حَلَّتْ قدماه في تلك الدار التي استأجرها، بدأ يذهب في كل يوم ساعة أو ساعتين ليُصْلِح من شأن داره وليُرَمِّمها ولِيُعيد بناءها وليؤسسها على النحو الذي يروق له. فما إنْ انتهت السنوات العشر حتى كانت داره التي سيصير إليها متألقة، تقول له بلسان الحال مرحباً بك هاأنا ذا مُهَيَّأة لأن أُسْعِدَك. عندما يأتي صاحب الدار ليستخرجه من داره يخرج من داره وهو جَزْلان، ويقطع الطريق ما بين الدار التي أعرض عنها والدار التي هو صائر إليها في نشوة وطرب. ما من خطوة يخطوها مبتعداً عن الدار التي تركها متقرِّباً من داره التي يملكها؛ إلا وفؤاده يرقص فَرَحَاً. هذه قصة الإنسان في هذه الحياة الدنيا مع داره التي هو مُقْبل إليها.
ورحم الله سَلَمَة بن دينار أبا حازم يوم سأله سليمان بن عبد الملك وقد جاءه زائراً: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم عَمَّرْتُم دنياكم وخَرَبْتُم آخرتكم؛ فكرهتُم أن تنتقلوا من دار عَمَارٍ إلى دار خراب. أي: إن من عَكَسَ الأمر فاهْتَمَّ بتعميرالدار التي هو مُقْبِل إليها، وترك داره الدنيا التي يعيش فيها للضرورة ولقَدْر الحاجة؛ فإن هذا الإنسان لن يكره الموت بشكل من الأشكال.
لاحظوا أيها الإخوة أنني عندما أُوَفَّقُ لتعمير ما بيني وبين مولاي وخالقي بالانقياد لأمره، بالإكثار من ذكره، بحمده وشكره على نِعَمِه؛ لا بد أن يفيض قلبي حباً له؛ ومن ثَمَّ لا بد أن يفيض قلبي اشتياقاً إليه. وإذا اهتاج القلبُ بالشوق إلى الله ذابت خطورة الموت، وذاب الأسى الذي يمكن أن يشعر به الإنسان عندما يذكِّرُه زيدٌ من الناس بالموت وأحداثه. بل يجد في الموت الذي هو مقبل إليه أَطْرَب ساعة يجتازها إلى الله سبحانه وتعالى. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال للسيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: ((مَنْ أَحَبَّ لقاء الله؛ أَحَبَّ الله لقاءه. ومن كَرِه لقاء الله؛ كَرِه الله لقاءه)). قالت عائشة: أكراهيةَ الموت؟! فكلنا نكره الموت يا رسول الله. قال: ((ليس ذاك. ولكن المؤمن إذا بَشَّرَه الله برضوانه ومغفرته وجنته أحب لقاء الله، فأحب الله لقاءه. وإن الكافر إذا بُشِّرَ بسخط الله وعذابه كره لقاء الله، فكره الله لقاءه)).
وقد فَصَّل لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم هذا الحديث الذي رواه الشيخان في مكان آخر وزاده تفصيلاً؛ فأوضح لنا أن المؤمن إذا دنا منه الموت بَشَّره الله بما هو صائر إليه، فليس شيءٌ أحبَّ إليه في تلك الساعة من أن يخرج من هذه الدنيا ويلقى مولاه وخالقه سبحانه وتعالى. أما الكافر فإذا دنا منه الموت أراه الله عز وجل مصيره فليس شيءٌ في الكون كله أكرهَ إليه من أن يترك هذه الدنيا وينتهي إلى مصير الشقاء الذي يتربص به. وصدق الله القائل: {أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ، الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ ، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الآخِرَةِ} [يونس: 10/62-64]. أما البشرى في الحياة الدنيا؛ فهي ساعة الفِراق عندما يدنو الموت من واحد من هؤلاء الذين كتب الله سبحانه وتعالى لهم السعادة يُرِيْه الباري عز وجل مَقَرَّه، ويُرِيْهِ مظاهر السعادة التي تنتظره. الموت؛ الموت عندئذ يكون فرحةً ما مِثْلُها فرحة، ولا بد أن يقول كما كان يقول بلال عندما اشتدت به بُرَحَاء الموت، وقد سمعَ من يأسى ويحزن لفراقه، ويقول: واكرْباه. قال: (بل واطرباه؛ غداً نلقى الأحبة محمداً وصحبه). كيف قالها بلال؟ واعتماداً على أي حقيقة قال ذلك؟ لأن بُشِّر. لأنه عَلِم النهاية التي هو صائر إليها، وإلا لما استطاع أن يجزم وأن يتألَّى على الله بمصير لا يعرفه في حق نفسه ولا في حق غيره. ولكن البشرى جاءت.
أيها الإخوة: دعونا نُقْبِل إلى الدار التي نحن على موعد معها لنَعْمُرَها، ولنتعهدها بالرعاية، ولنتعهدها بالتأثيث؛ حتى إذا حان ميقات خروجنا من هذه الدار التي استُودِعْنا فيها انتقلنا إليها وهي تُرَحِّب بنا. انتقلنا إليها في عُرس ما بين خروجنا من هذه الدنيا وإقبالنا إلى الله سبحانه وتعالى. تعالوا نقلعْ عن هذا الغلط القَتَّال؛ إذ يُعرِض أحدُنا عن داره التي هو صائر إليها ولا يبالي بها ولا يتذكرها ويتغافل عنها ويتناساها، ويُمعِنُ تجميلاً وتزويقاً لهذه الدار التي هو تارك لها عما قريب؛ إما بعد أيام أو بعد أشهر أو بعد سنوات. فإن نحن فعلنا ذلك تحوّل الموت من مصيبة إلى نعمة وأيِّ نعمة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. فاستغفروه يغفر لكم.
دعاء الخطبة الثانية
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، وألِّف بين قلوبهم يارب العالمين.
اللهم اشرح لنا صدورنا، ويسّر لنا أمورنا، واجبر كسر قلوبنا، وأَذْهِب غم نفوسنا، واجمع لنا الخير كله، واصرفنا عن الشر كله.
اللهم زدنا ولا تَنْقُصْنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
اللهم إنك تعلم سرنا وعلانيتنا فاقبل معذرتنا، وتعلم ما في نفوسنا فاغفر لنا ذنوبنا، وتعلم حاجاتنا فأعطنا سؤلنا يارب العالمين.
اللهم عافنا في أبداننا، وعافنا في أهلينا، وعافنا في أزواجنا، وعافنا في ذرياتنا يارب العالمين.
اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في محكم كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء غمومنا وهمومنا وأحزاننا، وأن تسقينا مزيداً من الغيث برحمتك يا أرحم الراحمين، وأن تسقينا مزيداً من الغيث برحمتك يا أكرم الأكرمين، وأن تسقينا مزيداً من الغيث برحمتك يا ذا الجلال والإكرام، وأن تختم حياتنا بأحب الأعمال إليك حتى نلقاك وأنت راض عنا يارب العالمين.
اللهم وفق عبدك هذا الذي مَلّكْتَه زمام أمورنا للسير على صراطك ولاتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم زد قلبه إيماناً بك ومحبة لك ومخافة منك، واجمع اللهم به أمر هذه الأمة على ما يرضيك، وحقق له في سبيل ذلك البطانة الصالحة واصرف عنه بطانة السوء يا مولانا يارب العالمين.
واجعل اللهم هذا البلد بلداً آمناً مطمئناً رَخِياً مستظلاً بظل كتابك ملتزماً بهدي نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
اللهم ومن أراد بالإسلام والمسلمين خيراً فخذ بيده إلى كل خير، ومن أراد بالإسلام والمسلمين شراً فخذه اللهم أخذ عزيز مقتدر يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولإخواننا الحاضرين ووالديهم، ولمشايخنا ولأرباب الحقوق علينا، ولسائر المسلمين أجمعين.
آمين آمين آمين.
والحمد لله رب العالمين