*الموضوع هو فصل من كتاب (نحن و الغرب) للشيخ يوسف القرضاوي 00ادعو الله ان نستفيد منه0
**************************************************
إن الذين يتهمون الإسلام بأنه (دين السيف) وأنه قهر الناس بالسيف، هم أول الناس وأكثر الناس استعمالا للسيف، بموجب وبغير موجب، ولا سيما فيما بين بعضهم وبعض.
وأكتفي بأن أذكر هنا ما سجله العلامة الشيخ رحمه الله الهندي في كتابه القيم (إظهار الحق) الذي ردَّ فيه على المبشرين البروتستانت دعاواهم الكاذبة على الإسلام، ومن هذه الدعاوى: أن الإسلام انتشر بالسيف. وقد بيَّن الشيخ بالبراهين: أن هذا الادعاء غير صحيح كما أشار إليه في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، كما بين أن أفعالهم تُكذِّب أقوالهم، وأنهم أكثر الناس استعمالا للسيف كما أن أسلافهم من أهل مِلتهم إذا تسلطوا تسلطا تاما، اجتهدوا في إبادة المخالفين. قال: وأنا أنقل بعض الحالات من كتبهم ورسائلهم، فأنقل حالهم بالنسبة إلى (اليهود) من كتاب (كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل) الذي عرفته في بيان الأمر الثاني، فأقول:
موقف المسيحيين من اليهود:
قال صاحبه في الصفحة (27): (القسطنطين الأعظم -الذي كان قبل الهجرة بثلثمائة سنة تقريبا- أمر بقطع آذان اليهود، وإجلائهم إلى أقاليم مختلفة، ثم أمر ملك الملوك الرومي في القرن الخامس من القرون المسيحية، بإخراجهم من البلدة السكندرية التي كانت مأمنهم من مدة، وكانوا يجيئون إليها من كل جانب، فيستريحون فيها. وأمر بهدم كنائسهم، ومنع عبادتهم، وعدم قبول شهادتهم، وعدم نفاذ الوصية إن أوصى أحد منهم لأحد في ماله، ولما ظهرت منهم مقاومة، بسبب هذه الأحكام: نهب جميع أموالهم، وقتل كثيرا منهم، وسفك الدماء بظلم ارتعد له جميع يهود هذا الإقليم).
ثم قال في الصفحة (28): (إن يهود البلد (انطيوح) لما أُسِروا بعد ما صاروا مغلوبين، قطَّع أعضاء البعض، وقتَّل البعض، وأجلى الباقين منهم كلهم، وظَلَم، ملكُ الملوك في جميع مملكته هؤلاء المشاركين بأنواع الظلم، ثم أجلاهم من مملكته آخرا.
وهيج ولاة الممالك الأخرى على أن يعاملوا اليهود هذه المعاملة، فكان حالهم أنهم تحملوا الظلم من آسيا إلى أقصى حد أوربا، ثم بعد مدة قليلة كلفوا في مملكة إسبانيا لقبول شرط من الشروط الثلاثة: أن يقبلوا الملة المسيحية، فإن أبوا عن قبولها يكونوا محبوسين، وإن أبوا عن كليهما يُجْلَوا من أوطانهم.
وصار مثل هذه المعاملة معهم في ديار فرنسا. فهؤلاء المساكين كانوا ينتقلون من إقليم إلى إقليم، ولا يحصل لهم موضع القرار، ولم يحصل لهم الأمن في آسيا أيضًا، بل قتلوا في كثير من الأوقات، كما قتلوا في ممالك الفرنج).
ثم قال في الصفحة (29): (إن أهل مِلة الكاثوليك كانوا يظلمونهم باعتقاد أنهم كفار، وعظماء هذه الملة عقدوا مجلسا للمشورة، وأجروا عليهم عدة أحكام:
(الأول): من حمى يهوديا ضد مسيحي يكون ذا خطأ، ويخرج عن الملة.
(والثاني): أنه لا يُعطَى يهودي منصبا في دولة من الدول.
(والثالث): لو كان مسيحي عبده فهو حر.
(والرابع): لا يأكل أحد مع اليهودي، ولا يعامله.
(والخامس): أن يُنـزع الأولاد منهم ويُربَّوْن في الملة المسيحية... وهكذا كان أحكام أخر).
أقول: لا شك أن الحكم الخامس أشد أنواع الإكراه.
ثم قال: (كانت عادة أهل البلدة ثولوس من إقليم فرنسا: أنهم كانوا يلطمون وجوه اليهود في عيد الفصح! وكان رسم البلدة بزيرس: أن أهلها من أول يوم الأحد من أيام العيد إلى يوم العيد، كانوا يرمون اليهود بالحجارة، وكان يكثر القتل أيضا في هذا الرمي، وكان حاكم البلدة المسيحي المذهب يحرض أهلها على هذا الفعل).
ثم قال في الصفحة (30، 31): (دبر سلاطين فرنسا في حق اليهود أمرا، وهو أنهم كانوا يتركون اليهود إلى أن يصيروا متمولين بالكسب والتجارة، ثم يسلبون أموالهم، وبلغ هذا الظلم لأجل الطمع غايته.
ثم لما صار (فيليب أوغسطس) سلطانا في فرنسا، أخذ أولاً الخمس من ديون اليهود التي كانت على المسيحيين، وأبرأ من الباقي ذمة المسيحيين، وما أعطى اليهود حبة، ثم أجلى اليهود كلهم من مملكته، ثم جلس على سرير السلطنة (سانت لويس) وهو يطلب اليهود مرتين في مملكته. وأجلاهم مرتين، ثم أجلى (جرلس السادس) اليهود من مملكة فرنسا.
وقد ثبت من التواريخ: أن اليهود أجلوا من مملكة فرنسا سبع مرات، وعدد اليهود الذين أخرجوا من مملكة أسبانيا -لو فرض في جانب القلة- لا يكون أقل من ألف وسبعين ألف بيت!
وفي مملكة (النمسا) قتل كثير منهم، ونهب كثير منهم، ونجا منهم قليل، وهم الذين تنصروا، ومات كثير منهم بأن سَدُّوا أولا أبوابهم، ثم أهلكوا أنفسهم وأولادهم وأزواجهم وأموالهم، إما بالإغراق في البحر، أو بالإحراق بالنار، وقتل غير المحصورين منهم في الجهاد المقدس.
وكان الإنكليز اتفقوا على أن يظلموا اليهود، فلما حصل اليأس العظيم ليهود البلدة (يرك) بسبب الظلم، قتل بعضهم بعضا، فقتل ألف وخمسمائة من الرجال والنساء والأطفال، وصاروا أذلاء في هذه المملكة بحيث إذا بغى الأمراء على السلطان، قتلوا سبعمائة يهودي، ونهبوا أموالهم، لأجل أن يظهروا شوكتهم على الناس، وسلب (رجاردوجان) و(هنري الثالث) من سلاطين انكلتره مرارا: أموال اليهود ظلما سيما (هنري الثالث)، فإنه كانت عادته أنه كان ينهب اليهود بكل طريق على وجه الظلم، وعدم الرحمة. وقد جعل أغنياءهم الكبار فقراء وظلمهم، بحيث رضوا بالجلاء، واستجازوا أن يخرجوا من مملكته، لكنه ما قبل هذا الأمر منهم أيضًا. ولما جلس (ادورد الأول) على سرير السلطنة، ختم الأمر بأن نهب أموالهم كلها، ثم أجلاهم من مملكته، فأجلى أكثر من خمسة عشر ألف يهودي في غاية العسر).
ثم قال في الصفحة (32): (نقل مسافر اسمه (سوتي): أنه كان حال قوم برتكال (البرتغال) قبل خمسين عاما: أنهم كانوا يأخذون اليهودي ويحرقونه بالنار، ويجتمع رجالهم ونساؤهم يوم إحراقه، كاجتماع يوم العيد، وكانوا يفرحون بذلك. وكانت النساء يصحن (أي يزغردن) وقت إحراقه فرحا)!
ثم قال في الصفحة (33): (إن البابا الذي هو عظيم فرقة الكاثوليك قرر عدة قوانين شديدة في حق اليهود). انتهى كلام كشف الآثار في قصص أنبياء بني إسرائيل.
وقال صاحب سير المتقدمين: (إن السلطان السادس (قسطنطين الأول)، أمر بمشورة أمرائه في سنة (379م) أن يتنصر كل من هو في السلطنة الرومية ويقتل مَن لم يتنصر) انتهى. قال: وأي إكراه أكثر من هذا؟!
مذبحة الصليبيين في القدس:
و(لطامس نيوتن) (تفسير) للأخبار عن الحوادث المستقلة المندرجة في الكتب المقدسة. وطبع هذا التفسير سنة 1803م في لندن. ففي الصفحة (65) من المجلد الثاني في بيان تسلط أهل التثليث على أورشليم هكذا: (فتحوا أورشليم (القدس) في الخامس عشر من شهر تموز الرومي سنة 1099م بعدما حاصروا خمسة أسابيع، وقتلوا غير المسيحيين، فقتلوا أكثر من سبعين ألفا من المسلمين، وجمعوا اليهود وأحرقوهم، ووجدوا في المساجد غنائم عظيمة) انتهى.
بعض ما فعل الكاثوليك بالبروتستانت:
قال: وإذا عرفت حال ظلمهم في حق اليهود خصوصا، وفي حق رعية السلطنة عموما، وما فعلوا عند تسلطهم على أورشليم، فالآن أذكر نبذا مما فعل الكاثوليك بالنسبة إلى غيرهم من المسيحيين، وأنقل هذه الحالات عن كتاب (الثلاث عشرة رسالة) الذي طبع في بيروت سنة 1849م من الميلاد باللسان العربي، فأقول:
(قال في الصفحة (15، 16): (أما الكنيسة الرومانية، فقد استعملت مرات كثيرة الاضطهادات والطرد المزعج ضد البروتستانت، أي الشهود أو بالحري الشهداء، وذلك في ممالك أوربا. ويظن أنها أحرقت في النار أقل ما يكون: مائتين وثلاثين ألفا من الذين آمنوا بيسوع دون البابا، واتخذوا الكتب المقدسة وحدها هدى وإرشادا لإيمانهم وأعمالهم، وقد قتلت أيضًا منهم ألوفا وربوات بحد السيف والحبوس والكلبتين، وهي آلة لتخليع المفاصل بالجذب، وأفظع العذابات المتنوعة. ففي فرنسا قتل في يوم واحد ثلاثون ألف رجل، وذلك في اليوم الملقب بيوم ماريرثو لماوس، وعلى هذا الأسلوب أذيالها مختضبة بدماء القديسين) انتهى كلامه بلفظه.
وفي الصفحة (338) في الرسالة الثانية عشرة من الكتاب المذكور: (يوجد قانون وضع في المجمع الملتئم في توليدو في أسبانيا يقول: إننا نضع قانونا: أن كل مَن يأتي إلى هذه المملكة فيما بعد، لا نأذن له أن يصعد إلى الكرسي إن لم يحلف أولا: أنه لا يترك أحدا غير كاثوليكي يعيش في مملكته، وإن كان بعد ما أخذ الحكم يخالف هذا العهد فليكن محروما، قدام الإله السرمدي، وليصر كالحطب للنار الأبدية). مجموع المجامع من كارتر أوجه 404.
(والمجمع اللاتراني يقول: إن جميع الملوك والولاة وأرباب السلطنة فليحلفوا: أنهم بكل جهدهم وقلوبهم يستأصلون جميع رعاياهم المحكوم عليهم من رؤساء الكنيسة بأنهم هراطقة، ولا يتركون أحدا منهم في نواحيهم، ومن كانوا لا يحفظون هذه اليمين، فشعبهم في حِلٍّ من الطاعة لهم) رأس 3 (وهذا القانون قد ثبت أيضًا في مجمع قسطنطينية) جلسة 45.
(ومن رسم البابا مرتينوس الخامس) عن ضلال فيكل. (وفي اليمين التي حلفت بها الأساقفة تحت رياسة البابا بولينوس الثالث سنة1551م يوجد هذا الكلام: أن الهراطقة وأهل الانشقاق والعصاة على سيدنا البابا وخلفائه، هؤلاء بكل قوتي أطردهم، أبيدهم).
والمجمع اللاتراني ومجمع قسطنطينية يقولون: ( إن الذي يمسك الهراطقة له إذن وسلطة أن يأخذ منهم كل مالهم ويستعمله لنفسه من غير مانع) مجمع لاتراني 4 مجلد 2 فصل 1 وجه 152 ومجمع قسطنطينية جلسة 45 مجلد 7 (والبابا اينوشنيسوس الثالث يقول: إن هذا القصاص على الهرطقة نحن نأمر به كل الملوك والحكام، ونلزمهم إياه تحت القصاصات الكنائسية) رسم 7 كتاب 5.
وفي سنة 1724م وضع الملك لويس الحادي عشر ثمانية عشر قانونًا.
أولها: أننا نأمر أن الديانة الكاثوليكية وحدها، تكون مأذونة في مملكتنا، وأما الذين يتمسكون بديانة أخرى فليذهبوا إلى الاعتقال طول حياتهم، والنساء فلتقطع شعورهن ويحبسن إلى الموت!
وثانيها: أننا نأمر أن جميع الواعظين الذين جمعوا جماعات على غير العقائد الكاثوليكية، والذين علموا أو مارسوا عبادة مخالفة لها يعاقبون بالموت. وفي مخاطبة الأساقفة في أسبانيا للملك سنة 1765م يقولون له: أعط الرسوم كل قوتها، والديانة كل مجدها، لكن تسبب هذه المقالة منا تجديد قوانين سنة 1724م المذكورة (وكان من جملة رسوم إنكلترا تحت رياسة البابا: أن كل مَن يقول إنه لا يجوز أن يسجد للأيقونات: يحبس في السجن الشديد، حتى يحلف أنه يسجد لها، والأسقف أو القاضي الكنائسي له سلطان أن يحضر إليه، أو يحبس كل من يقع عليه الشبهة: أنه هرطيقي، والهرطيقي العنيد فليحرق بالنار قدام الشعب، وجميع الحكام فليحلفوا أنهم يعينون هذا القاضي على استئصال الهراطقة الذين عندما تظهر هرطقتهم تسلب أموالهم ويسلمون إليه، وتمحى خطاياهم بلهيب النار). كوك فرائض عدد 3 وجه 40، 41 وأيضًا عدد 4 وجه 15 (وبارونيوس يقول: عن الملك كارلوس الخامس، كان يظن برأيه الباطل: أنه يستأصل الهراتقة ليس بالسيف، بل بالكلام، وفي فهرس الكتاب المقدس المطبوع في رومية باللاتيني والعربي تحت حرف الهاء يوجد هذا التعليم: أن الهراطقة ينبغي لنا أن نهلكهم، ويورد الإثبات على ذلك: أن الملك ياهو قتل الكهنة الكذبة، وإيليا ذبح كهنة باعل، وغير ذلك. فإذن هكذا ينبغي لأولاد الكنيسة أن يهلكوا الهراتقة).
ثم في الصفحة (347، 348): (والمؤرخ منتوان المتقدم في رياسة الكرمليين مع غيره من المؤرخين، يخبرنا عن كاروز بالإنجيل معتبر، يقال له (ثوما) من رودن، أحرقه البابا بالنار، لأنه كرَّز ضد فسادات الكنسية الرومانية، والمؤرخون يدعونه قديسًا وشهيدًا حقيقيًا للمسيح).
وفي الصفحة (350 إلى 355): (في سنة 1194م أمر الديفونسو ملك اراغون في أسبانيا بنفي الواضيين من بلاده، لأنهم هراطقة ... وفي سنة 1206م رغما عن الأمير رايمون والي مدينة ثولوس، أرسل البابا قضاة بيت التفتيش إلى تلك المدينة، لأن الأمير المذكور كان قد أبى أن ينفي هؤلاء الواضيين، ثم بعد قليل أرسل ملك فرنسا بطلب البابا إلى تلك المدينة ونواحيها عسكرًا، عدده ثلثمائة ألف، فحاصر الأمير رايمون في مدينته لأجل المحاماة عن نفسه، ولكي يدفع القوة بالقوة، فذُبح في ذلك القتال ألف ألف (مليون)، وانكسر أهل رايمون، وأحاط بهم كل صنف من الإهانات والعذابات، وكان البابا في حركة هذه الحروب يقول لقومه: إننا نعظكم ونحتم عليكم أن تجتهدوا في ملاشاة هذه الهرطقة الخبيثة: هرطقة الألبجيين أي الواضيين، وتطردوهم بيد قوية أشد مما يكون ضد الساراجين أي المسلمين ...
وفي سنة 1400م في آخر شهر كانون الأول، قام أهل البابا بغتة على الواضيين في اوديابيت مونت بلاد ملك سردينيا، فهربوا من وجوههم بلا قتال، ولكن قتل كثيرون بالسيف، وكثيرون ماتوا بالثلج.
ثم إن البابا بعد ذلك بسبع وثمانين سنة، كلف البرتوس ارشيديا كونوس في مدينة كريمونا: أن يحارب الواضيين في النواحي القبلية من فرنسا، وفي أوديابيت مونتن حيث بقي البعض منهم من الذين رجعوا بعد الحرب في سنة1400م، وهذا الرجل المذكور تقدم حالاً ومعه ثمانية عشر ألف محارب، وأقام تلك الحرب التي استمرت نحو ثلاثين سنة على المسيحيين الذين قالوا: نحن في كل وقت نكرم الملك ونؤدي الجزية، ولكن أرضنا وديانتنا التي ورثناها من الله ومن آبائنا لا نريد أن نتركها، وفي كالابريا من بلاد إيطاليا سنة 1560م قتل ألوف ألوف، من البروتستنتيين، بعضهم قتلهم العسكر، وبعضهم محكمة التفتيش.
قال أحد المعلمين الرومانيين: إنني أرتعد كلما أفتكر بذلك الجلاد، والخنجر الدموي بين أسنانه، والمنديل يقطر دمًا بيده، وهو متلطخ بيديه إلى الأكارع، يسحب واحدًا بعد واحد من السجن، كما يفتك الجزار بالغنم!!
وفي سنة 1601م نفى دوك السافوي خمسمائة عائلة من الواضيين ...
وأيضًا سنة 1655م وسنة 1676م تجددت الاضطهادات عليهم في أوديابيد مونت، لأن الملك لويس الرابع عشر بإشارة من البابا تقدم إليهم بجيشه، وهم في بيوتهم بغاية الطمأنينة، فذبح العسكر خلقًا كثيرًا منهم، ووضعوا في الحبس أكثر من عشرة الآف، فمات كثير منهم من الزحام والجوع، والذين سلموا أخرجوهم لكي ينـزحوا من تلك البلاد، وكان ذلك اليوم شديد البرد والأرض مغطاة بالثلج. والجليد، فكان كثير من الأمهات وأولادهن في أحضانهن موتى على جانب الطريق من البرد..
وكارلوس الخامس سنة 1521م، أخرج أمرًا في طرد البروتستنتيين في بلاد فلامنك عن رأي البابا، وبسبب ذلك قتل خمسمائة ألف نفر!!
وبعد كارلوس تولى ابنه فيلبس، ولما ذهب إلى أسبانيا سنة 1559م، استخلف الأمير ألفا على طرد البروتستنتيين، والمذكور في أشهر قليلة قتل على يد الجلاد الملوكي الشرعي ثمانية عشر ألفًا، وبعد ذلك كان يفتخر بأنه قتل في كل المملكة ستة وثلاثين ألفا! والقتيل الذي يذكره المعلم كين في عيد مار برثولماوس، كان في آب سنة 1572م في وقت السلامة الكاملة، وكان الملك ملك فرنسا قد وعد بأخته لأمير نافار، وهو من علماء البروتستنتيين وأشرافهم، ثم اجتمع هو وأصدقاء أعيان كنيستهم في باريس لأجل إستتمام الوعد بالزواج، ولما ضربت النواقيس لأجل الصلاة الصباحية، قاموا بغتة حسب اتفاقهم السابق على الأمير وأصحابه، وعلى جميع البروتستنتيين في باريس، فذبحوا منهم عشرة آلاف شخص!
وهكذا جرى أيضاً في روين وليون وأكثر المدن في تلك البلاد، حتى قال البعض من المؤرخين: إنه قتل نحو ستين ألفا.
واستمر هذا الاضطهاد مدة ثلاثين سنة، لأن البروتستنتيين أمسكوا سلاحهم لكي يدفعوا القوة بالقوة، ومات في هذا الحرب منهم تسعمائة ألف.
ولما سمع في رومية فعل ملك فرنسا في عيد مار برثولماوس، أطلقوا المدافع من الأبراج، وذهب البابا مع الكرديناليين ليرتل مزمور الشكر في كنيسة الرومانية بهذا العمل، فلما جلس الملك هنري الرابع على كرسي فرنسا قطع هذا الاضطهاد سنة 1593م. لكن يظن أنه قتل لأجل عدم تسليمه بالاغتصاب في أمر الدين.
(ثم أنه في سنة 1675م تجدد الاضطهاد وبعدما قتل خلق كثير يقول المؤرخون: إن خمسين ألفا اضطروا أن يتركوا بلادهم لكي ينجوا من الموت) انتهى كلامه، ونقلت عبارة هذا الكتاب بألفاظها من الرسالة الثانية عشرة.
بعض ما فعل البروتستانت انتقاما من الكاثوليك:
وإذا عرفت حال ظلم فرقة الكاثوليك، فاعلم أن حال ظلم فرقة بروتستنت قريب منه، وأنقل هذا الحال عن كتاب (مـرآة الصدق) الذي ترجمه القسيس طامس انكلس من علماء الكاثوليك، من اللسان الإنكليزي إلى اردو، وطبع سنة 1851م من الميلاد. ويوجد هذا الكتاب عند أهل هذه الفرقة في الهند كثيرًا.