الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
شاب يسئل انا لم اغضب لله لاكن لا قدرة لي على الصلاة ماذا افعل
أنا شاب عمري 28 عاما، وأعمل أخصائيا للتحاليل، ولم أفعل أي شيء يغضب ربي، ولكن هناك شيء يبعدني عن الصلاة ولا أعرف ما هو، وأشعر أني لا أريد أن أصلي، فما سبب ذلك؟!
وشكرا.
الجـــواب
فإن نفسك تهتف بهذه الكلمات: إني أحب طاعة الله وأكره معصيته، إنني لا أريد أن أعيش بعيدًا عن ربي، وأريد أن أكون قريبًا منه جل وعلا، ولكن ما الذي دهاني؟ ما الذي يحجبني عن الصلاة؟ ما الذي يُنفرني منها؟ لماذا أجد مشقة في أدائها؟ وربما كنت تاركًا لها..فلماذا وأنا أعلم أنها أعظم ركن بعد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟
سؤال يصدح في نفسك وتجدها متحيرة أمام الإجابة، ولكن هناك الجواب.. إنهما شيئان اثنان، إنها النفس الأمارة بالسوء التي تأمر صاحبها بمعصية ربه، وإنه كيد الشيطان الذي يريد أن يضلك وأن يبعدك عمَّا فيه فلاحك ونجاتك، فهما أمران اثنان إذن: قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}، وقال تعالى حاكيًا عن امرأة العزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}. ولذلك فإن هذه النفس قد تدعو إلى الهوى وتدعو إلى ارتكاب الموبقات والمحرمات.. نعم أنت بعيد بحمد الله عن الفواحش ولكن إن كنت تاركًا الصلاة فهذا من أعظم الذنوب حتى قال صلوات الله وسلام عليه وقد ذكر الصلاة: (من حافظ عليها - أي الصلاة - كانت له نورا وبرهانا ونجاةً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف) أخرجه الإمام أحمد في المسند.
فواجه نفسك وقل لها: هل تريدين أن أكون يوم القيامة عديم النور عديم البرهان عديم النجاة وأن أحشر مع طواغيت الأرض؟ هل تريدين هذا لنفسك؟! هل تريدين أن أكون ممن قال الله تعالى فيهم: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} أي ما أدخلكم جهنم؟ {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ}؟! كيف أتهاون في صلاتي وأنا أسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله)؟ أخرجه الطبراني في المعجم. فكل عملي مرهون بصحة صلاتي، كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ومن ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) أخرجه البخاري في صحيحه، فهذا في ترك صلاة العصر فكيف بمن يتركها رأسًا؟! ولذلك خرج مالك في الموطأ عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه قال: (إن أهم أمركم عندي الصلاة، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع). ألم يقل نبيك: (أرحنا بها يا بلال)؟ ألم يقل صلوات الله وسلامه عليه: (وجعلت قرة عيني في الصلاة)؟ وأيضًا ألم يقل صلوات الله وسلامه عليه: (من فاتته صلاة العصر فكأنكما وِتِر أهله وماله)؟ أخرجه البخاري في صحيحه.
لا بد أن أعود إلى نفسي، لا بد أن أنقذها ولا بد أيضًا أن أواجه كيد عدو الله الذي قال تعالى فيه: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. إنه لن يتسلط عليَّ بإذنِ الله لأنني سأكون من عباد الله المخلصين الذي قال تعالى فيهم: { إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ...}.
فقد اتضح لك السبب كاملاً، ولذلك يجب أن تقف وقفتك من نفسك وأن تكون ممن قال الله تعالى فيهم: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى}. وأن تقف وقفتك في وجه عدو الله إبليس فتعتصم بالله وتنبذ كيده، قال تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
فقم إلى صلاتك، قم إلى وضوئك وأسبغه عليك، واستقبل القبلة أمام رب رحيم كريم يتقبل توبة التائبين، {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ}، أمام رب كريم يُقبل عليك إذا أقبلت عليه أشد ما تقبل عليه، كما قال صلوات الله وسلامه عليه في الحديث القدسي: (قال تبارك وتعالى: أنا عند ظن عبدي لي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خيرٌ منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب إليَّ ذراعًا تقربت منه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
فكن أنت ذلك العبد الذي يعمل بفرائض الله بل ويأخذ أيضًا بحظه من النوافل، فما هو جزاؤه؟ فاستمع إلى ما يرويه نبيك الأمين عن ربه تبارك وتعالى في الحديث القدسي الذي يقول: (من عاد لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحبَّ إليَّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصره به وسمعه الذي يسمع به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولأن استعاذني لأعيذنه) أخرجه البخاري في صحيحه، ألا تحب هذه المنزلة؟! وإنك بإذن الله عز وجل لجدير بها.
قم إلى صلاتك لتقتدي بهذا النبي الأمين لتكون محشورًا في زمرته، لتشرب من يده الشريفة شربة ماء يوم القيامة لا تظمأ بعدها أبدًا، واحذر أن تكون ممن قال تعالى فيهم: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً} ولكن كن ممن قال تعالى فيهم بعد هذه الآية: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}.
وعليك بصحبة الصالحين، عليك بأن تستبدل أي صحبة مفرطة في الصلاة بصحبة الخير والفضل، بأصحاب الجماعة في بيت الله حيث ينادى بها، بأن تبذل جهدك بأن تكون من رواد بيت الله حيث تتنزل السكينة، كما قال صلوات الله وسلامه عليه: (وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله و يتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله في من عنده) أخرجه مسلم في صحيحه.
وهذا لا يتنافى مع أخذك بحظك من الطيبات ومع أخذك بما يسعدك في دينك ودنياك، بل إنك على الحقيقة بذلك تنال طعم الحياة السعيدة، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
نسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك وأن ييسر أمرك وأن يردك للحق ردًّا جميلاً وأن يجعلك من عباد الله الصالحين وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه وأن يزيدك من فضله وأن يفتح عليك من بركاته ورحماته.
--------------------
اللهم انت ربي لا اله الا انت
خلقتني وانا عبدك وانا على عهدك ووعدك ما استطعت
اعوذ بك من شر ما صنعت
ابوء لك بنعمتك علي وابوء بذنبي
فاغفر لي فانه لا يغفر الذنوب الا انت