قيل إن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان، وهي زوجة الخليفة الوليد ابن عبد الملك، كانت تهوى وضاح اليمن الشاعر، وكان جميلاً، وكانت ترسل إليه فيدخل إليها ويقيم عندها، فإذا خافت وارته في صندوق عندها، وأقفلت عليه. فدخل الخادم إليها مفاجأة فرأى وضاحا عندها، فأدخلته الصندوق. فطلب منها الخادم حجرًا نفيسًا كان يعرفه عندها، فمنعته إياه بُخلاً به. فمضى الخادم وأخبر الوليد بالحال، فقال له: كذبت! ثم جاء الوليد إلى أم البنين وهي جالسة تمشط رأسها. وكان الخادم قد وصف له الصندوق، فجلس الوليد فوقه، ثم قال: يا أم البنين، هبي لي صندوقا من هذه الصناديق. فقالت: كلها بحكمك يا أمير المؤمنين. فقال: إنما أريد واحدًا منها. فقالت: خذ أيها شئت. فقال: هذا الصندوق الذي تحتي. فقالت: غيره أحبّ إليك منه، فإن لي فيه أشياء أحتاج إليها. فقال: ما أريد سواه. فقالت: خذه. فدعا بالخدم، وأمرهم بحمله حتى انتهى إلى مكان فوضعه فيه، ثم دعا عبيدًا له عجمًا وأمرهم بحفر بئر في المكان، فحُفرت إلى الماء. ثم دعا بالصندوق، فوضعه على شفير البئر، ودنا منه وقال: يا صاحب الصندوق، إنه بلغنا شيء إن كان حقًا فقد دفنّاك ودفنّا ذكرك إلى آخر الدهر، وإن كان باطلاً فإنما دفنّا الخشب. ثم قذف به في البئر، و هيل عليه التراب، وسوّيت الأرض. فما رؤي الوضاح بعد ذلك اليوم، ولا أبصرت أم البنين في وجه الوليد غضبًا حتى فرّق الموت بينهما.
من كتاب "وفيات الأعيان" لابن خلكان.