أولاً: تعريف مفهوم اللغة باعتبار مفرديه:
1-تعريف كلمة (فقه): الفقه هو العلم بالشيء، والفهم له، والفطنة فيه.
يقال: فَقُه الرجل فقاهة إذا صار فقيهاً، وفَقِه: أي فهم فقه.
وبعض العلماء يرى أن الفقه أخص من العلم، قال الراغب الأصفهاني-رحمه الله-: "الفقه هو التوصل إلى علمٍ غائبٍ بعلم شاهد؛ فهو أخص من العلم".
وقد وردت مادة (فقه) في القرآن الكريم عشرين مرة تحمل المعاني السابقة، فمن ذلك قوله - تعالى -: (فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثا).
وقوله -عز وجل-: (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ).
وقول-تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).
وقد غلب استعمال (الفقه) على علوم الدين؛ لشرفها، وذلك من باب تخصيص الدلالة، ولكنه يستعمل في غير علوم الدين بقرينة.
2- تعريف كلمة (اللغة): اللغة مشتقة من لغا يلغو: إذا تكلم؛ فمعناها الكلام؛ فهذا تعريفها في اللغة.
أما في الاصطلاح فعرفت بتعريفات عديدة، أشهرها ما ذكره أبو الفتح ابن جني في كتابه (الخصائص) حيث قال:
"حد اللغة: أصوات يعبِّر بها كل قومٍ عن أغراضهم".
وهذا التعريف الذي تناقله علماء العربية على اختلاف تخصصاتهم - يضارع أحدث التعريفات العلمية للغة؛ حيث ترى تلك التعريفات أن اللغة:
أ - أصوات منطوقة.
ب - وأن وظيفتها التعبير عن الأغراض.
ج- وأنها تعيش بين قوم يتفاهمون بها.
د - وأن لكل قوم لغة.
فهذه - تقريباً - هي الأركان التي يدور عليها تعريف اللغة عند جميع من عرفها، وإن كانت بعض التعريفات الحديثة للغة تتوسع، فتدخل في اللغة كل وسيلةٍ تفاهمٍ، ولا تقتصر على الأصوات، فتجعل فيها الإشارات، وتعبيرات الوجه، ودقات الطبول وغيرها؛ فإن الأشهرَ هو حصر اللغة في الأصوات المنطوقة؛ لأن غيرها من الوسائل محدودة، وقليلة القيمة.
وعرفها ابن الحاجب بأنها: "كل لفظ وضع لمعنى".
ويراها بعض المحدثين: "أنها نظام من الرموز الصوتية، أو مجموعة من الصور اللفظية تُختزن في أذهان أفراد الجماعة اللغوية، وتستخدم للتفاهم بين أبناء جمع معين".
ويراها آخر بأنها: "معنى موضوع في صوت".
ثانياً: تعريف فقه اللغة: فقه اللغة - باعتبار تركيبه - يُعرف تعريفاً لغوياً، وتعريفاً اصطلاحياً.
تعريفه فقه اللغة: فقه اللغة من الناحية اللغوية هو: فهم اللغة، والعلم بها، وإدراك كنهها.
تعريفه في الاصطلاح: يطلق فقه اللغة في الاصطلاح على العلم الذي يعنى بدراسة قضايا اللغة؛ من حيث أصواتها، ومفرداتها، وتراكيبها، وفي خصائصها الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدلالية، وما يطرأ عليها من تغييرات، وما ينشأ من لهجات، وما يثار حول العربية من قضايا، وما تواجهه من مشكلات إلى غير ذلك مما يجري ويدور في فلكه مما سيأتي ذلك عند الحديث عن موضوعات فقه اللغة.
ويمكن أن يعرف تعريفاً موجزاً، فيقال: هو العلم الذي يعنى بفهم اللغة، ودراسة قضاياها، وموضوعاتها.
ثالثاً: مصطلح علم اللغة: هناك مصطلح آخر يرد في بعض المؤلفات الحديثة مقابلاً لمصطلح (فقه اللغة) ألا وهو (علم اللغة).
فبعض المؤلفين المُحدَثين يفرق بين المصطلحين، وبعضهم يجعلهما شيئاً واحداً؛ باعتبار أن العلم والفقه شيء واحد.
والحقيقة أن هذا الخلاف طارئ على العربية؛ إذ الكلمتان من - الناحية اللغوية - معناهما واحد، وقد وردا في تراثنا العربي كذلك؛ فلابن فارس كتاب: (الصاحبي في فقه اللغة) وللسيوطي كتاب: (المزهر في علوم اللغة).
ولم يقصد السيوطي مخالفة ابن فارس، بل كانا يرميان إلى أهداف متقاربة: من خدمة العربية، وبيان خصائصها، والوقوف على سنن العرب في كلامهم، والحديث عن القضايا اللغوية العامة.
فإذا استخدم مصطلح (فقه اللغة) باعتباره شاملاً لدراسة اللغة بعامة فهو الأنسب؛ لأنه مستخدم في عربيتنا، وارد في تراثنا.
وإذا استُخدم اصطلاح (علم اللغة) فإنما يعنى به المرادف لفقه اللغة؛ بناءاً على المعنى اللغوي، ولا مشاحة في الاصطلاح.
رابعاً: الخلط بين المصطلحين: لقد حصل خلط بين المصطلحين السابقين بسبب ترجمة بعض المصطلحات الغربية ومحاولة تطبيقها على لغتنا.
فالغربيون يفرقون بين علمين يتناولان اللغة، أحدهما: يُعنى بدراسة النصوص اللغوية القديمة، واللغات البائدة، ويهتم بالتراث والتاريخ النتاج الأدبي واللغوي، وقد ترجم هذا باسم (علم اللغة).
والثاني: يُعنى بدراسة اللغة في ذاتها: وصفاً وتاريخاً، ومقارنة، ودراسة للهجات والأصوات مستعيناً بوسائل علمية، وآلات حديثة.
ومن هنا حاول بعض الباحثين تطبيق هذا على العربية، والتفريقَ بين عِلْمين يهتمان بالعربية؛ متناسين أموراً منها ما يلي:
أ - الاختلاف الكبير بين العربية وغيرها.
ب - أن أقدم نصوص العربية وصل إلينا من العصر الجاهلي.
ج - أن العربية نزل بها القرآن الكريم.
د - وأنها إلى يومنا هذا لغة واحدة حافظت على خصائصها، وبقيت لها هيبتها التي حفظها لها الكتاب العزيز.
هـ - وأن دراسة العربية في العصور السابقة لا تختلف عن دراستها في عصرنا هذا إلا ما طرأ من عاميات، ولهجات.
بخلاف غيرها من اللغات الأخرى؛ إذ الإنجليزية المعاصرة لا تمت إلى الإنجليزية منذ قرون إلا بصلات واهية.
بل إن لغة شكسبير - وهو من كبار أدباء الإنجليز وقد مات في القرن السابع عشر - لا يكاد يفهمها إلا نفر من المثقفين.
وقل مثل ذلك في الفرنسية، والإيطالية، وسائر اللغات الأوربية الحديثة.
أما نحن العرب - على اختلاف أقدارنا من الثقافة - فنقرأ القرآن، ونفهمه إلا قليلاً مما ترجع صعوبته إلى دقة المعاني في أغلب الأحيان، وكذلك الحال بالنسبة للحديث الشريف.
وكذلك نقرأ أدب الجاهلية وأدب صدر الإسلام وما بعده، فنفهمه - في الجملة - على اختلاف الثقافة فيما بيننا.
وخلاصة القول في هذه المسألة أن مصطلح (فقه اللغة) أكثر ملائمة، وأعم وأشمل في دراسة القضايا التي يتناولها ذلك العلم.
ومع ذلك فلا تثريب على من استعمل المصطلح الآخر (علم اللغة).