فوجئت الأمة العربية والإسلامية في صباح أول أيام عيد الأضحى المبارك لعام 1427 من هجرة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم بنبأ جلل..
لقد تم تنفيذ حكم الإعدام شنقًا لزعيم عربي مسلم، لقد أُعدم صدام حسين الرئيس السابق للجمهورية العراقية المحتلة منذ شهر أبريل عام 2003م، عندما سقطت العاصمة العراقية بغداد في يد الجيش الأمريكي..
وبدأ المسلمون عيدهم بمتابعة مشاهد الإعدام التي تم بثها على مختلف المحطات الفضائية، والتي ظهر فيها صدام متماسكًا وهو يصعد إلى منصة الإعدام، حيث جهر بالشهادتين قبيل تنفيذ الحكم..
ومما لا شك فيه أن صدام حسين كان حاكمًا مستبدًا شديد القسوة على معارضيه، حيث سجن منهم الكثير ونكل بالكثير، وعلى سبيل المثال نذكر لصدام هجومه على قرية حلبجة العراقية بهدف القضاء التام على أي معارضة كردية لحكمه، مما تسبب في استشهاد 5000 آلاف مواطن كردي وإصابة 10000 آلاف آخرين..
كما لا نستطيع أن ننسى أن صدام تسبب في جرِّ المنطقة العربية إلى حرب الخليج في عام 1991م، وذلك بعد أن تم استدراجه لغزو دولة عربية مسلمة وهي الكويت، مما تسبب في شقّ الصف العربي المسلم، وجرّ الشعب العراقي إلى سلسلة من المآسي والمعاناة التي ما زال يتجرعها إلى الآن..
ولكن السؤال..
هل كان صدام حسين هو الطاغية الوحيد في العالم الإسلامي؟
وبالتأكيد الإجابة هي لا، فما أكثر الطغاة في عالمنا العربي والإسلامي..
إن الشعوب العربية والإسلامية من أكثر شعوب العالم التي عانت على أيدي حكامها المتجبرين، فلا يوجد شعب مسلم إلا وذاق أهلُه مرارة السجن والاعتقال والتعذيب ومصادرة الأموال، بل ويصل الأمر إلى القتل والإعدام لمجرد الاختلاف في الرأي مع النظم الحاكمة، التي أعطت لآرائها وسياساتها منزلة إلهية مقدسة لا يجوز معارضتها..
ومما لا شك فيه أن ذهاب الطغاة يورث سعادة في قلوب الناس، ومع ذلك نجد في النفس الكثير من الأسى والحزن بموت صدام على هذا النحو ولعل من أسباب هذا الحزن غياب العدالة..
فلماذا العراق بالذات؟
ولماذا صدام تحديدًا الذي تم اختياره لإنقاذ البشرية من ظلمه؟
هنا نجد الفرق واضحًا بين عدالة الله المطلقة المجردة من أي هوى، وعدالة البشر التي تخضع بالكلية لحسابات المصالح وتتحكم فيها أهواء البشر..
أيضًا مما يدعوا للأسى هو إعدام حاكم عربي مسلم في ظل احتلال بلاده وعلى يد أعوان هذا المحتل الغاصب، كما أن توقيت تنفيذ حكم الإعدام يحمل الكثير من مظاهر الإهانة والاستخفاف بمشاعر أبناء الأمة الإسلامية بكاملها..
بالإضافة إلى أن تعمّد إعدامه كالأضحية في يوم النحر الأكبر يحمل رسالة واضحة إلى أبناء العالم الإسلامي، بأنه من يرفع رأسه سنقطعها، ومن يقاوم سيذبح، والويل لمن يخرج عن الطريق الذي رسمه الأمريكان، حيث لن يجد له وليًا ولا مرشدًا..
أليس في ذلك ما يورث الحزن؟
ولعله مما يدعوا للأمل معرفة أن هذا الحادث بل وأسوأ منه قد مرّ على الأمة الإسلامية في تاريخها، ولكن بفضل الله استطاعت النهوض مرة أخرى والقيام من كبوتها..
ولعل أكثر المواقف شبهًا بحادثة إعدام صدام هو ما حدث مع المستعصم بالله خليفة المسلمين، والعجيب أنه حدث في العراق أيضًا، وبطريقة مهينة كالتي مات بها صدام حسين، وإن كانت إهانة الأمة الإسلامية بموت صدام هي في توقيت إعدامه، فإن إهانتها بموت المستعصم كانت في الوسيلة التي اختارها المحتل لقتله..
لقد تم وضع المستعصم في جوال وتم ركله بالأقدام حتى الموت!!
ورغم ما روي عن المستعصم من أنه كان قارئًا للقرآن ومحبًا لمجالس العلم؛ إلا أنه كان قائدًا فاشلاً، لم لم يستطع تربية شعبه على الجهاد، ولم يجعل دولته قوية أو يحصن أسوارها، ولم يقدّر بدقة قوة أعدائه، فلم يكن الحاكم المسلم المخلص لشعبه المنفّذ لتعاليم دينه، فكان جزاؤه إهانته وسقوط دولته، ومشاهدة وقائع قتل أبنائه وأحبابه وأصحابه ومَلَئِه بعينيه، ثم في النهاية بطريقة موته..
ومع كون المستعصم حاكمًا فاشلاً، وشخصية ليست على قدر المسئولية، إلا أن العالم الإسلامي كله قد حزن عليه ليس حبًا فيه وفي نظام حكمه ولكن لأنه كان رمزًا للخلافة العباسية العريقة، وأيضًا لأنه قُتل على يد مجموعة من الهمج الذين لا يريدون للأرض خيرًا ولا صلاحًا، كما أنه قتل في عقر دار المسلمين..
ما أشد التشابه بين الحدثين!!
وما أشد الحزن الذي في قلوبنا على الزعيمين، مع أننا وبوضوح نرفض سياستهما جملة وتفصيلاً..
كما أننا لن ننخدع بأن محاكمة صدام كانت عادلة، وبأن القضاة والمنفذين هم عراقيون وليسوا من الغزاة كالتتار وغيرهم..
فنحن جميعًا نعلم وهم أنفسهم يعلمون أنهم دمىً تحركها أصابع الأمريكان في السرّ أحيانًا، وفي العلن أغلب الأحيان..
لقد استفزّ موت المستعصم وخراب بغداد واحتلال العراق المسلمين آنذاك فخرج من بينهم قطز وأصحابه، فأزاحوا الغمة عن كاهل الأمة، وأعادوا المجد والكرامة والهيبة للمسلمين..
كان هذا في القديم..
فمن يا تراه قطز هذا الزمان..
ومن أين سيخرج؟؟؟
ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبـًا.