|
| معجزات الانبياء | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: معجزات الانبياء الأحد 28 سبتمبر - 16:33 | |
| بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبي المعجزات وعلى صحبه وعلى الأنبياء والمرسلين جميعا.
وبعد...
المعجزة هي خرق لقوانين الكون, ويؤيد الله سبحانه وتعالى بها رسله.
وقد يخلط الناس بين المعجزة والكرامة, ولكن هناك فرقا بينهما, فرغم أن كل منهما أمر خارق للعادة الا أن المعجزة يظهرها الله على أيدي الأنبياء والمرسلين, أما الكرامة فهي أمر يظهره الله على أيدي بشر غير الأنبياء.
وفي المعجزات عبر وايمان وعقيدة خالصة, وقد وجدت الحديث عنها شائقا مقبولا, فأسأل الله لي ولكم الأجر والقبول وسوف نتناول ان شاء الله في هذا المنتدى معجزات الانبياء بشئ من التفصيل ..واتمنى من الكل أن يدلو دلوه لتعم الفائدة للجميع...دمتم بود معجزات الأنبياء أيَّد الله سبحانه أنبياءه بمعجزات، وهي أمور خارقة، وغالبًا ما تكون من جنس ما برع فيه قوم النبي؛ فقوم موسى برعوا في السحر فجعل الله موسى يلقي عصاه فتتحول إلى ثعبان مبين، وقوم عيسى برعوا في الطب فداوى عيسى -عليه السلام- الأبرص والأعمى وأحيا الموتى بإذن الله، وبرع العرب في البلاغة والشعر فأنزل الله إليهم القرآن، فكان معجزة لهم عجزوا أن يأتوا بسورة من مثله. ومن معجزات الأنبياء: معجزة صالح -عليه السلام-: أرسل الله -عز وجل- صالحًا إلى قومه يدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، فطلبوا منه دليلا على صدق ما جاء به، فأيده الله بمعجزة الناقة؛ حيث أخرج لهم من بين الصخور ناقة ضخمة، فآمن البعض، وظل الأكثرون على كفرهم وعنادهم، وعزموا على قتل الناقة، فحذرهم نبي الله صالح من أن يمسوها بسوء فيحل عليهم عذاب الله، قال تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم} [الأعراف: 73]. معجزة إبراهيم - عليه السلام-: كان إبراهيم لا يرضى عما يفعله قومه، فقد كانوا يعبدون الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وذهب إبراهيم يومًا دون أن يراه أحد، فحطم الأصنام، فلما علم قومه أن إبراهيم هو الذي فعل ذلك أوقدوا له نارًا وألقوه فيها، لكن النار لم تحرقه، ولم تؤثر فيه حيث أمرها الله -سبحانه- ألا تحرق إبراهيم؛ وجعلها بردًا وسلامًا عليه، قال تعالى: {قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين. قلنا يا نار كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم. وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين} [الأنبياء: 68-70]. معجزة موسى- عليه السلام-: قال تعالى: {وما تلك بيمينك يا موسى. قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى. قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى} [طه: 17-20]. لقد كانت العصا إحدى المعجزات التي أيَّد الله بها موسى، فهزم بها سحرة فرعون بإذن الله، وبها خرج الماء من الحجر بإذن الله، وبها تحول البحر إلى أرض يابسة ليكتب الله تعالى النجاة للمؤمنين ويجعل العذاب على الكافرين. معجزة عيسى - عليه السلام-: كانت معجزة الله -تعالى- لعيسى -عليه السلام- أنه كان يداوي الأبرص والأعمى ويحيي الموتى بإذن الله، وكان يعمل تماثيل من الطين مثل الطيور، ثم ينفخ فيها فتكون طيرًا بإذن الله. قال تعالى: {ورسولاً إلى بني إسرائيل أني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 49]. ومن معجزات عيسى -عليه السلام- أيضًا (نزول المائدة). فقد طلب منه قومه أن يُنزل الله عليهم مائدة من السماء حتى يزداد إيمانهم، وألحوا عليه كثيرًا في طلبهم، فحذرهم عيسى -عليه السلام- من هذا الطلب، وحاول أن يصرفهم عن هذا الأمر، ولكنهم أصروا على طلبهم، فأنزل الله -عز وجل- مائدة من السماء، لتكون معجزة لعيسى عليه السلام. قال تعالى: {إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين. قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين. قال عيسى ابن مريم الله ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين. قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين} [المائدة: 112-115]. معجزات النبي (: القرآن الكريم: تتشاور مشركو قريش.. كيف يمنعوا محمدًا من دعوة الناس إلى الإسلام؛ خاصة وأن موسم الحج قد اقترب، وفيه يعرض الرسول ( الإسلام على الناس، فاتفقت كلمتهم على أن يحذروا الناس من الاستماع إلى محمد. وكان فيمن وفد للحج والتجارة الطفيل بن عمرو الدوسي، رئيس قبيلة دوس، فحذروه من الاستماع إلى محمد، وزعموا أنه ساحر وشاعر، فكان الطفيل يضع قطنًا في أذنيه خشية أن يستمع إلى النبي (. وذات مرة ذهب الطفيل عند الكعبة، فوجد النبي محمدًا ( يصلى ويقرأ القرآن، وأبي الله إلا أن يستمع الطفيل إليه، فلما استمع، عرف أن هذا ليس بشعر ولا سحر، وكان الطفيل شاعرًا، فلما انتهى الرسول ( من صلاته تبعه الطفيل إلى بيته، وحكى له ما قاله المشركون له، ثم طلب منه أن يعرض عليه الإسلام، فلما استمع الطفيل إلى دعوة الإسلام، آمن بالله تعالى، وبرسوله وبالكتاب الذي أنزل معه، وكان إيمان الطفيل بركة من بركات القرآن، ثم ذهب الطفيل إلى قبيلته ودعاها إلى الإسلام. فالقرآن الكريم: هو كلام الله ومعجزته الخالدة لنبيه محمد (، أنزله في أهل البلاغة فأعجزهم، وتحداهم أن يأتوا بسورة من مثله فعجزوا، وتحداهم أن يأتوا بآية فعجزوا، وهو حبل الله المتين، فمن تمسك به نجاه، ومن اتبعه هداه إلى صراط مستقيم. انشقاق القمر: جاء أبو جهل والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل وعدد كبير من مشركي قريش إلى الرسول (، وقالوا: يا محمد إن كنت صادقًا فيما تقول فشق لنا القمر نصفين. فتوجه الرسول ( إلى ربه، ودعاه أن يشق القمر نصفين، فحقق الله رغبة النبي (، وانشق القمر نصفين ورآه الناس، وأشهدهم الرسول ( على ذلك، ولكنهم كذبوا. [متفق عليه]. الإسراء والمعرج: لما اشتد إيذاء المشركين للرسول (، أراد الله -عز وجل- أن يخفف عن رسوله، وأن يقربه منه، فكانت رحلة الإسراء والمعراج حيث جاء جبريل -عليه السلام- إلى الرسول ( ومعه البراق، فركبه الرسول (، وأسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى حيث صلى إمامًا بالأنبياء جميعًا، ثم عرج به إلى السماوات العلى، وفي تلك الرحلة المباركة فرض الله الصلاة، ثم عاد الرسول ( إلى مكة في نفس الليلة.
تكثير الطعام القليل: في غزوة الأحزاب حاصر المشركون المدينة، وكان الرسول ( وأصحابه يحفرون خندقًا حول المدينة حتى يمنعوا المشركين من دخولها. واشتد الأمر بالمسلمين حتى نفد الطعام، وأصاب الرسول ( وأصحابه جوع شديد، فأراد جابر بن عبد الله- رضي الله عنه- أن يطعم الرسول وأصحابه، وليس عنده إلا قليل من الشعير وشاة صغيرة. فذهب جابر إلى رسول الله ( وطلب منه أن يأتي هو وعدد قليل معه، فنادى الرسول ( في الناس: (إن جابرًا قد صنع لكم سورًا (طعامًا) فحيهلا بكم). وأمر الرسول ( جابرًا أن ينتظر في إعداد الطعام حتى يأتيهم، وجاء الرسول ( وبارك في الطعام، وظل الصحابة يدخلون جماعات جماعات حتى أكلوا جميعًا، وبقي الإناء كما هو، يقول جابر -رضي الله عنه-: والله لقد كانوا يومئذ ألفًا [البخاري] . حنين جذع النخلة إليه (: كان الرسول ( يخطب مستندًا إلى جذع نخلة، فلما صنع الصحابة له منبرًا ترك الجذع ووقف الرسول ( يخطب فوق المنبر، فسمع الصحابة صوتًا يشبه صوت الناقة، فعلم النبي ( أن الجذع يبكي حزنًا على فراق الرسول ( حتى جاء النبي ( ووضع يده عليه فسكن [أحمد والترمذي] . | |
| | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الأحد 28 سبتمبر - 16:35 | |
| حوت يونس عليه السلام
كانت "نِينَوَى" إحدى قرى أرضِ المُوصِلِ في العراقِ، وقد أفسدَ أهلُها إفسادًا كبيرًا، وعددُهم مائةُ ألفِ شخصٍ وأكثرُ وكان لهم صنمٌ اسمُه "عَشْتَارُ" يعبُدُونهُ من دون اللهِ تعالى، فجاءَهم سيدُنا "يُونُسُ" عليه السلام نبيًّا يدعوهم إلى توحيدِ الله عزَّ وجلَّ وتركِ عبادةِ الأصنامِ.
استغربَ المشركون دعوةَ سيدِنا "يُونُسَ" لهم، ولم يأخذوا بكلامهِ مع أنهُ أتى بآياتٍ بيناتٍ ومعجزاتٍ باهراتٍ تدلُّ على صدقِ دعوتِهِ وصحةِ عقيدتِه.
وقيل إنه بلغَ به الأمرُ أن قال لهم: "لقد دعوتُكم باللينِ والحسنى مدةَ ثلاثةٍ وثلاثينَ عامًا، فإذا أجبتُم دعوتي كان الخيرُ الذي أرجوهُ، وإلا فإني أُنذِرُكُم عذابًا واقعًا، وبلاءً نازلاً وهلاكًا قريبًا بعدَ أربعينَ ليلةً". فقالوا مستكبرين: "إن رأينا علاماتِ العذابِ ءامنَّا بك".
وبقي "يونس" يدعوهم، فلما مضت خمسٌ وثلاثونَ ليلة دارَ حديثٌ بين المشركينَ حولَ ما أنذرهم فقالوا: "إن يونسَ رجلٌ لا يكذِبُ، فارقُبُوه فإن أقامَ معَكُم فلا عليكم وإن رحلَ عنكم فهو نزولُ العذابِ بلا شكّ". فلما كانَ الليلُ تزوَّد "يونُسُ" وخرجَ عنهم غاضبًا عليهم ءايسًا منهم ولم يكن قد استأذنَ ربَّه في الخروجِ فظنَّ أنه لن يؤاخذَه بذلك.
ولم يكَد "يُونسُ" يبعدُ قليلاً عن "نينوى" حتى أطلت على أهلِها علاماتُ العذابِ وإشاراتُ الهلاكِ، فظهرت في السماءِ غيومٌ سوداءُ، وثارَ الدُّخانُ الكثيفُ وهبطَ حتى وقعَ في مدينتهِم وسوَّد سطوحَهم وصارَ العذابُ على بُعد ميلٍ واحدٍ منهم.
ولما أيقنوا بوقوعِ الهلاكِ والعذابِ، قصدُوا "يونس" عليه السلامُ فلم يجدوهُ، فخرجوا إلى الصحراءِ، وفرَّقوا بين النساءِ والصِّبيان، وبين الدوابِ وأولادِها، فحنَّ بعضُها إلى بعضٍ وعلتِ الأصواتُ، وكَثُرت التضرُّعاتُ وألهمهم الله تعالى التوبةَ فأخلصُوا النيةَ، ذلك أنهم سألوا شيخًا من أتباعِ سيدِنا يونُسَ وقالوا له: "قد اقتربَ العذابُ فماذا نفعلُ"؟ فقال لهم: "ءامنوا باللهِ ورسولِهِ وتوبوا"، وقولوا: "اللهم إن ذنوبَنا قد عَظُمَت وجَلَّت، وأنت أعظم منها وأجلُّ، افعل بنا ما أنت أهلُه ولا تفعل بنا ما نحنُ أهلُه".
عند ذلك ءامنوا بالله ورسولِه "يونُسَ" عليه السلامُ وكانت ساعةً عظيمةً هائلة، وتابوا إلى الله تعالى توبةً صادقةً، وبلغَ من توبتِهم أن ردُّوا المظالم إلى أهلِها حتى إن الرجلَ كان يقلَعُ الحجرَ بعد أن وضعَ عليه بناءَ أساسِ دارِه فيردُّه إلى صاحبه الذي أخذه منه ظلمًا. ورُدَّ عنهم العذابُ، ورجَعوا إلى بيوتِهِم ءامنين مؤمنين، وكان ذلك اليومُ على ما قيلَ يومَ عاشوراء يومَ الجمُعة.
أما سيدُنا "يُونُسُ" عليه السلامُ فإنه لما خرجَ غاضبًا على قومِه لم يعلم بما حلَّ بهم.
فوصلَ إلى شاطىء البحرِ وركبَ السفينةَ بعد أن أصعدَه أهلُها إليها محبةً وتبرُكًا به إذ كان جميلَ الشكلِ، مليحَ المنظرِ، فصيحَ الكلامِ ورقيقَ الألفاظِ، فلما صَعِدَ رَقَدَ في جانب السفينةِ ثم نامَ، وسارتْ بهم السفينةُ تتخطى الأمواجَ حتى فاجأتهمْ ريحٌ كادتْ تُغْرِقُ السفينةَ، فاجتمعَ رُكابُها ليدعُوا الله تعالى علَّهم ينجُون، وأيقظُوا نبيَّ الله "يونُس" ليدعُوَ معهم، فاستيقظَ ودعا الله عز وجلَّ فرفعَ الله عنهم تلك الريحَ.
ثم انطلقَ إلى مكانِه فنامَ، فجاءت ريحٌ كادَت أن تقطِّعَ السفينةَ، فأيقظَ الناسُ "يونُس" عليه السلام ودَعَوا الله فارتفعتِ الريحُ،
وبينما هم كذلك ظهرَ لهم حوتٌ عظيمٌ قد أطلَّ برأسِهِ إليهم أرادَ أن يبتلعَ السفينةَ، فقال "يونسُ": "يا قومُ، هذا من أجلي، فلو طرحتُمُوني في البحرِ لسِرْتُم ولذهبتِ الريحُ عنكم والخوفُ"، ولم يكن مقصودهُ أن يقتلُوه لأنه يعلمُ أن الله يؤيدُه بالمعجزاتِ الباهراتِ.
قالوا: "لا نطرحُكَ حتى نقومَ بالقُرعةِ، فمن وقعتْ عليه رميناهُ في البحرِ"، فاقترعوا فوقعَ على "يونُسَ"، فقال لهم: "يا قومُ، اطرحوني فمن أجلي أتتكم الريحُ"، فقالوا: "لا نفعلُ حتى نقترعَ مرةً أخرى"، ففعلوا فوقعَ على "يونُسَ" فقال لهم ما قالَه أوَّلَ مرةٍ، حتى انطلقوا به إلى رأسِ السفينةِ ليلقُوهُ في البحرِ، فإذا الحوتُ فاتحٌ فمَه، ثم جاءوا به إلى جانبِ السفينةِ، فإذا بالحوتِ هناكَ، ثم رَجَعوا إلى الجانبِ الآخرِ، فإذا بالحوتِ كذلك هناك فاتحٌ فمَه.
فلما رأى ذلك "يونُسُ" ألقى بنفسِه وهو يعلمُ أن الله سينجِيهِ وأنه لن يموت بهذه الرَّمْيةِ لأنه نبيٌّ كريمٌ، فابتلعه الحوتُ الذي كان مأمورًا أن لا يأكل منه لحمًا ولا يكسِر له عظمًا.
ومكثَ "يونُسُ" في بطنِ الحوتِ أيامًا أربعين، يشقُ به الأمواجَ، ويهوي إلى الأعماقِ، في ظلمات عدَّة: ظُلْمةِ بطنِ الحوتِ وظُلمةِ الليلِ وظُلمةِ الأعماقِ، وكشفَ الله عن سمعِ "يونسَ" فسمعَ أصواتًا غريبة تأتيهِ من الخارج، فأوحى الله إليه أن هذا تسبيحُ أسماكِ البحرِ وحيتانه، فالتجأَ إلى اللهِ تعالى مغيث الملهوفين، ومُعينِ المكروبينَ، واسع الرحمةِ، وقابلِ التوبةِ، فاستجابَ الله دعاءَه، وأمرَ الحوتَ أن يُخرج "يونُسَ" إلى شاطىءِ البحرِ، فألقاه وقد سَقِمَ ومَرِضَ لطولِ مُكثهِ في بطنِ الحوتِ.
ورُويَ أن الحوتَ قذفَ به على ساحلِ قريةٍ من "الموصلِ" بالعراءِ حيثُ لا شجرٌ ولا جبلٌ، وكان مريضَ البدنِ كهيئةِ الفَرخِ الذي ليس عليه ريشٌ أقل شىء يسقطُ عليهِ يؤلمهُ، فَرَحِمَه الله وأنبتَ عليه يَقْطينة أظلَّتهُ وكان لها فوائدُ عديدةٌ منها سُرعةُ نباتِها وتظليلُ ورَقِها لِكِبَرِهِ ونعومتِه، ولا يقربُ منها الذبابُ، وثمرتُها جيدةُ التغذيةِ وتؤكلُ نِيئَةً ومطبوخةً بلبِّها وقِشْرِها.
قال أحدهم واصفًا هذا الحال:
وأنتَ بفضلٍ منك نجَّيت يونسًا وقد باتَ في أضعافِ (1) حوتٍ لياليا
فأنبتَّ يقطينًا عليه برحمة من الله لولا الله أصبحَ ضاويا(2)
(1) أضعاف: جوف
(2) ضاويًا: هزيلاً
وسخَّر الله له "أَرْوِيَّة" وهي أنثى الوَعل الذي هو من فصيلةِ الغزلانِ فكانت تُفْرِجُ له ما بين رجلَيْها فيشرَبُ من لَبَنِها كلَّ بُكرةٍ وعشيةٍ حتى تعافى بإذنِ الله.
ثم أمره الله أن يأتي قومَه ويخبِرَهُم أن الله تعالى قد تابَ عليهم، فذهبَ إليهم وفي الطريقِ لقيَ راعيًا فسألَه عن قوم "يونُسَ" وعن حالِهِم، وكيف هم؟ فأخبره أنهم بخيرٍ، وأنهم على رجاء أن يرجعَ إليهم رسولُهُم، فأتاهم فرحبوا به معتذرينَ إليه، فَكَبُرَ فرحُه لتركِهم عبادةَ الأصنامِ والأوثانِ، وإيمانهم بالله الرحمنِ الموجودِ بلا مكان.
معجزة البراق العجيب
قال تعالى:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) الاسراء 1.
البداية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين ىمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.
وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج ؟
الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.
أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.
كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.
وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).
فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.
وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.
أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
مشهد في الطريق
وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأو جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.
ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم انائين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:
اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".
وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..
فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله وعدوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..
واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل. | |
| | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الأحد 28 سبتمبر - 16:40 | |
| معجزة سيدنا موسى عليه السلام
قال تعالى: { واذ قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة, قالوا أتتخذنا هزوا, قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين* قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي, قال انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر ولاعوان بين ذلك, فافعلوا ما تؤمرون}. البقرة 67,68.
1. آزر وراحيل
أعدّت راحيل الفراش لزوجها آزر بن حيلوت ليستريح من عناء التعب وراحت تسأله عن مغيبة بالأمس, وقد انتظرته طويلا في كوخهما فقال آزر: لقد أحسست ثقلا ووجعا, فقضيت الليلة عند أحد أصدقائي لعلي أصيب شيئا من الراحة, ولكني أصبحت أشد تعبا.
فقالت راحيل: عما قليل ستشعر بالراحة تماما وما عليك الا أن تستريح وتحكي لنا ما صادفك في رحلة السوق هذه المرّة.
فقال آزر: لا شيء يا زوجتي سوى التعب والشعور بمقدمات المرض, ولم أبع شيئا أو أشتر غير عجلة صغيرة عجفاء هزيلة قد يبلغ عمرها ثلاثة أشهر أو أربعة.. اشتريتها لولدي الياب.
راحيل: وأين هي؟.. وما قصتها؟
آزر: هي بقرة صغيرة ذات لون أصفر جميل يعمّ بدنها كلها, وقد وقع قلبي أن أشتريها.. وما ان اشتريتها حتى أقبلت تأكل ما قدّمت لها من الكلأ اليابس.. وهي الآن ترعى في الغيضة القريبة منا.. ثم سكت قليلا وقال: وأنت كيف أخبارك؟ وكيف حال ولدنا الياب؟ أين هو؟
راحيل: يلعب مع صبيان القرية وهو بخير.., وقد مرّ بنا نبي الله موسى عليه السلام وهو عائد من جبل المناجاة وقد دعا لولدنا الياب فقبّله.. ومسح على رأسه ودعا له بخير _ ولكنه لم ينتظر كعادته_.
آزر اذا كان لم ينتظر كعادته فلا بدّ أن بني اسرائيل أحدثوا حدثا في غيبته, فأخبره الله به, فرجع على هذه الحالة التي ذكرتها من الحزن والغضب.
راحيل: سمعت أنه ترك بني اسرائيل يعبدون عجلا من ذهب صنعه لهم ساحر منهم اسمه السامري.. فكلمت نبي الله موسى حين جاء في ذلك فلم يجبني بجواب.
آزر: هذا هو السبب, فما أشد ما يلقى نبي الله موسى من بني اسرائيل.
قالت راحيل لزوجها آزر: ألا تقوم معي لتريني العجلة التي اشتريتها لولدنا الياب.
قام الرجل يتوكأ على عصاه وسار هو وزوجته حتى بلغا مكان العجلة, فنظرت اليها راحيل, فاذا لونها الأصفر الجميل يتألق كأنه ينبعث منه شعاع الشمس, فسرّت بمنظرها سرورا عظيما, وأحسّت كأنما تطالعها بفأل حسن, وأخذت تمر بيدها على جسمها وتمسح لها رأسها وفمها.. والتفتت الى آزر وقالت:
انظر يا آزر فانني أراها مقبلة على عشب الغيضة ولن تمضي عليها بضعة أيام حتى تمتلئ لحما.
وبعد قليل استدار الزوجان عائدين الى الكوخ..
قال آزر: انها حقا بقرة جميلة, وان قلبي يحدثني أن ستكون خير المال أتركه لولدي الياب..
فاستاءت راحيل من اشارة آزر الى الموت وقالت: ولكنها تحتاج الى جهد ورعاية حتى تثمر ويجني ثمرها. فهي ضعيفة عجفاء كما ترى.
فقال آزر: اعلمي أنني لا أورث ابني الياب سوى تقوى الله عز وجل, وهو سبحانه يتولى الصالحين وسيتولاني في ولدي الياب, وسيبارك له في مالي أو في كنزي الذي تتهكمين به.. فاذا أنا فارقتكم فالتفتي لولدك, وعلميه قواعد الايمان وما ورثناه عن آبائنا: ابراهيم واسحاق ويعقوب ويوسف وما تلقيناه عن نبي الله موسى ولا تهتمي بأمر العجلة.. لا تحرثي عليها أرضا, ولا تسقي بها زرعا, ولا تركبي لها ظهرا, ولا تحلبي لها لبنا.. ذريها واتركيها مسلّمة في الغيضة ولا تفكري فيها فانها ستكون بعين الله. ومتى كبر الياب فاذكري له شأنها.
عاد الزوجان بعد هذه الرحلة الى الكوخ, فدخل آزر الى فراشه وقد أحسّ بالتعب يعاوده من جديد, وتحدث مع زوجته في أمور كثيرة تحدث معها عن خوفه من الموت وكرر لها الوصية بولده الياب والكنز الثمين وهو العجلة الصفراء العجفاء التي سيتركها له.
وقال لها: لقد كان حقا علينا أن نتحدث عن الحياة لا عن الموت والفرح لا الحزن, نعم هذا الصبح سوف أحدثك عن الحياة والفرح وأقول لك انني أحب أن يتزوج ولدي الياب رفقة بنت شمعون فان أباها من صلحاء شيوخ بني اسرائيل..
وكان شمعون بن نفتالي هذا رجلا غنيا يملك الكثير من الغنم والبقر ويملك الذهب والفضة, وصاحب وصديق نبي الله موسى عليه السلام الذي لا يكاد يفارقه, وهو شيخ من العبّاد, وكثيرا ما كان يقول لآزر: لقد سميّت ابنتي الوحيدة رفقة تيمّنا باسم رفقة زوجة أبينا اسحاق نبي الله, وأتمنى على الله أن يكتب لها الزواج من شاب صالح.. ثم يقول: حبذا لو كان هذا الشاب هو غلامك الصغير الياب فانه يكبرها بعامين.
سعدت راحيل بهذا الكلام, وقالت: حبذا لو كان ذلك ان رفقة طفلة جميلة وستكون أجمل اذا ما كبرت..
وسعدت راحيل أيضا بحديث زوجها المتفائل عن الزواج والفرح ولكن المرض اشتد على الرجل, ولم يمهله وقتا طويلا فتوفي بعد عدة أيام.
2. زواج لم يتم
جاء رجل يقال له منسى بن اليشع الى صديقه شمعون بن نفتالي الرجل الغني الصالح, وقال له: ان ناداب ابن أخيك صوغر قد أوفدني اليك لأرجوك أن تزوجه ابنتك رفقة, وأرى أن تجيب رجاءه رعاية لقرابته ورحمه.
فقال شمعون على الفور وقد أشاح بوجهه: تكلم في غير هذا يا منسى, ولا تخاطبني في هذا الماجن الذي قطع علاقته بربه.
وليكن في علمك يا منسى أن ناداب لا يريد الزواج برفقة؛ انما يريد أن يرثني.. ويريد أن تؤول تركتي اليه مع رفقة.. ولست أول من جاء ليخطب له ابنتي ومحال أن يكون ذلك.
فقال منسى: لك الحق يا شمعون, واني أٌقرّك وأوافقك على كل كلمة قلتها, وما حملني على أن أكون رسوله اليك الا ما رأيته في عينيه من الشر, فاني أخشى أن يقتلك ويؤذي ابنتك من بعدك.
فقال شمعون: هذا ما أشعر به يا منسى, وذلك ما أتوقعه من هذا الشرير, ومع ذلك فلن أزوّجها له, وليفعل ما يشاء.
صمت منسى لحظة ثم قال: ولكن عليك أن تدبر أمر ابنتك من الآن, وتختار لها بنفسك الشاب الذي تراه كفءا لصلاحها وعقلها.
قال شمعون: اخترت لها الياب ابن صديقي آزر رحمه الله. ولكني لا أعرف أين يقيم, وأنا دائم البحث عنه, فاذا عثرت به زوجته اياها, انه الآن في الثامنةعشر من عمره, وقد ورث كل ما نعرف لأبيه من خلال وصفات, لقد ورث الشرف والصدق, وصدق الايمان بالله.
3. قتيل بني اسرائيل
استيقظ بنو اسرائيل في صبيحة يوم من أيام الله وقد وجدوا جثة شمعون بن نفتالي ملوّثة بالدماء وملقاة قرب محلة بعيدة عن المكان الذي فيه منزلته وعشيرته.
وقد دوى خبر مقتله دويا هائلا في بني اسرائيل وأثار ضجة كبيرة فيما بينهم لما كان له من حسن الخلق وجودة الرأي ووفرة الغنى وكثرة البر والصدقة.
وصار هياج بين الناس, وحزن الفقراء واليتامى والضعفاء, وقامت عشيرته بل بلدته كلها تطالب بدمه وتلقي وزر الجريمة على سكان المكان الذي وجدت فيه جثة شمعون بن نفتالي, وكان أشد الجميع مطالبة بدم شمعون هو "ناداب بن صوغر" ابن أخ شمعون, مظهرا الحزن والجزع لما أصاب عمه العزيز!
وكان أهل المحلة التي وجدت جثة القتيل قربها من أشد الناس حزنا عليه ولكن عشيرة "شمعون" القتيل وعلى رأسهم "ناداب بن صوغر" ظلوا مصرّين على أنه قتل بيد من فئة من أهل هذه المحلة واشتدوا في المطالبة بدم قتيلهم.
وعلا الضجيج, وكثر اللغط, واشتد الجدل بين الفريقين, وأوشكوا أن يقتتلوا, فاجتمع شيوخ بني اسرائيل ومن حولهم الغوغاء والعامة الى نبي الله موسى عليه السلام ليفصل بين الفريقين في قضيّة دم القتيل.
واجتمع الناس في مجلس يشبه مجلس القضاء أو المحاكمة وكان الاجتماع في ساحة واسعة امتلأت عن آخرها شيبا وشبابا, ورجالا ونساءا, وجاء أهل القتيل " شمعون" وجاء أهل البلدة المتهمة, وتكلم ناداب بن صوغر في جزع وحزن مثبتا التهمة على القرية الظالمة وأدلى بما لديه من حجج, وأنكرت القرية تهمة القتل وأوّلت ذلك بما تكن للقتيل من حب ومعزة واحترام.
وانتظر الناس كلمة نبي الله موسى عليه السلام, فهي الفاصلة بينهم, فأنصت الجميع وأرهفت الآذان وتطاولت اليه الأعناق, واذا به يقول: ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وسمع القريبون من موسى الكلام فدهشوا لها وعجبوا, وظهرت الحيرة على وجوههم وفي نظراتهم, أما البعيدون عن المجلس فلم يسمعوا غير أنهم رأوا الدهشة والحيرة على وجوه غيرهم فتصايحوا يريدون معرفة حكم نبي الله موسى.. وارتفعت الأصوات.
فوقف أحد الناس على مكان مرتفع وصاح بأعلى صوته وقال:
ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وعندما سمع الناس قوله هاجوا وأحدثوا شغبا, وساد الهرج والمرج, واختلطت أصوات ساخرة بأصوات مستنكرة هذا الطلب وهذا الأمر. فهذا يقول: ما دخل معرفة القاتل بذبح البقرة؟
وآخر يقول: ان نبي الله يمزح.
وثالث ينادي بأعلى صوته قائلا: وهل هذا وقت المزاح؟
وقال ناداب بن صوغر: ان موسى يهزأ بنا. انه يتخذنا هزوا.
وسادت الفوضى فانسحب موسى من المجلس, وانفضّ الناس وهم يتندّرون بالبقرة التي يريد نبي الله ذبحها.
أما المؤمنون الأتقياء فقد طلبوا من الناس أن يكفوا عن السخرية والشغب وقالوا لهم: ان نبي الله موسى لم يقل شيئا من عنده, بل هو كلام الله الذي كلمه به, فهو يقول لكم:{ ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة} فكيف يكون هذا مزاحا؟
عليكم أن تتلقوا أمر الله بالطاعة والتسليم لا بالسخرية والشغب والتندر والمعصية.
وفي اليوم التالي جاء موسى عليه السلام الى مجلس القضاء وجلس بين المؤمنين الأتقياء, وتقدّمت اليه عشيرة القتيل وقالوا له: يا نبي الله أتتخذنا هزوا؟!!!
قال موسى: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
وهنا وقف شيخ كبير صالح وقال: يا بني اسرائيل لقد رضيت عشيرة القتيل, وعرفت أن نبي الله لا يتخذها هزوا وخصوصا أن القتيل كان من صالحي خلصائه وأصحابه.
وبعد نقاش وحوار حول من يدفع ثمن البقرة قال أحد الشيوخ العقلاء: أرى أن يشترك في ثمن البقرة كل رجال بني اسرائيل, فالقتيل قتيلنا جميعا, وسلام الشعب لا يهم طائفة دون طائفة بل يهم الجميع.
سكت الناس ورضوا بهذا الحكم, ونظر الجميع الى نبي الله موسى.
فقال موسى: اذن فاجمعوا المال واشتروا البقرة واذبحوها طاعة لأمر ربكم.
وتلكأ القوم وقالوا: أي بقرة نذبح؟ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي.
وصمت موسى وأصغى لنداء الله في قلبه ثم قال لهم: { انه يقول انها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون}. البقرة 68.
وسألوا وجادلوا عن لونها, وقالوا: لا بد أن نعرف لونها.
فتوجه موسى الى الله يسأله فسمع الاجابة في صدره بأنها:{ بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين}..
ولكن القوم جادلوا وأكثروا الجدال وقالوا لموسى:{ ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي ان البقر تشابه علينا وانا ان شاء الله لمهتدون}. البقرة 70.
وظل بنو اسرائيل في شكهم فمنهم من يؤيّد ومنهم من يستنكر حتى أنهم قضوا عدّة أيّام يتجادلون, ثم ذهب صلحاء القوم وعقلاؤهم الى موسى يقولون له: انك مطالب بالفصل في قضيّة دم القتيل شمعون فلا يشغلك عناد قومك عن هذه القضيّة فاسأل ربك عما يريدون.
فسأل موسى ربه, ثم اجتمع القوم ليسمعوا الاجابة:
{قال انه يقول انها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها, قالوا الآن جئت بالحق, فذبحوها وما كادوا يفعلون}. البقرة 71.
أي أن هذه البقرة معفاة من الخدمة فهي غير مذللة لحرث الأرض أو سقيها, وليس في جسمها بقعة أو علامة من لون يخالف لون جسمها الأصفر الصافي الفاقع.
اقتنع القوم وقالوا:{ الآن جئت بالحق}.
وأخذوا يبحثون عن بقرة: لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك صفراء فاقع لونها, تسر الناظرين لا ذلول, تثير الأرض, ولا تسقي الحرث, لا شية فيها, فلم يعثروا عليها عند أحد من أهل القرى التي حولهم.
كانوا اذا وجدوا بقرة صفراء ردّوها لأن فيها شيئا من لون يخالف لونها الأصفر, فاذا وجدوها صفراء خالصة ردوها لأنها بكر أو فارض وليست عوانا بين ذلك, وهكذا دقق بنو اسرائيل في البحث عن البقرة التي تتكامل فيها الأوصاف المطلوبة, وقسموا أنفسهم مجموعات وفرق للبحث عن البقرة المطلوبة في أنحاء شبه جزيرة سيناء الواسعة, وانتشروا في الشمال والجنوب.
4. بقرة الياب الصفراء
بلغ الياب الثامنة عشرة من عمره وأصبح فتى يافعا وجاءت أمه لتقول له: يا بنيّ لقد كبرت وبلغت سن الثامنة عشرة وصار لزاما على أن أدلك على الكنز الذي تركه لك أبوك.
دهش الياب وقال لأمه: كنز؟! ان أبي كان فقيرا فكيف يترك لي كنزا؟
قالت الأم راحيل: لقد ترك لك عجلة صغيرة منذ تسع سنوات وأوصى أن اتركها في أرض الله لا أذللها بحرث أو سقي ولا أتعدها بحراسة فهي في حراسة الله. وقال: اذا كبر الياب فادفعيها اليه.
فقال الياب لأمه: وفي أي مكان تركها؟
قالت راحيل: لا أدري ولكنه قال: انها في الغيضة الواسعة المجاورة لنا, فاذهب اليها وابحث عنها وسوف لا يطول بحثك لأن الله سيقبل بها عليك.
فقال الياب: ولكن ما لونها أو علامتها التي أعرفها بها؟
قالت راحيل: انها صفراء فاقع لونها تسر الناظرين كأن شعاع الشمس ينبعث من جلدها, ليس فيها لون آخر غير هذا اللون الأصفر حتى ولا لون قرنيها وأظلافها.
خرج الياب للبحث عنها, وما هي الا ساعة واحدة حتى عاد بالبقرة الصفراء الجميلة وقد كبرت بعد أن كانت صغيرة وامتلأ جسمها باللحم بعد أن كانت هزيلة.
قال الياب: يا لها من كنز مبارك يا أمي..
قالت راحيل: ان ثمنها لا يزيد على ثلاثة دنانير, ولكن المال الحلال الصالح لا يقدّر بعدد, بل يقدّر بما فيه من بركة, وبرّ وتقوى الله والنيّة الصالحة. من أجل هذا سمّاها أبوك الكنز.
فقال الياب: والمال الحلال الصالح يا أمي ينميه الله ببركة التقوى فيعد بالمئات والألوف. وما يدرينا لعل هذه البقرة ذات الدنانير الثلاثة تباع بالألوف التي لا تخطر لنا ببال!
5. البقرة المعجزة
ومضت أيّام, وبينما كان الياب جالسا مرّ به أعرابي يقول له: ان جماعة من بني اسرائيل يبحثون في لهفة شديدة عن بقرة تشبه بقرتك وقد دللتهم عليك واني لأرى أنك لو رفعت ثمنها عليهم لأعطوك ما تريد ولو طلبت ملء جلدها ذهبا لأعطوك.
جاء القوم من بني اسرائيل وقالوا لالياب: لقد جئنا من عند نبي الله موسى فبعنا هذه البقرة ولا تزد في سعرها.
قال الياب: ان كانت البقرة لنبي الله موسى فله من غير ثمن.
فقال قوم: ان شعب اسرائيل فقراء وقد أنهكتهم الصحراء فاقبل منا ما بأيدينا وليبارك الله لك فيه.
قال الياب: ان شعب اسرائيل ليس فقيرا, لقد صنع عجلا من الذهب ليعبده من دون الله فليس من الكثير عليه أن يدفع لي ما أريد.
استأذن أمه للذهاب مع القوم ليلقى نبي الله موسى وليتقاضى ثمن البقرة, وقال انه لن يطيل الغياب.
6. معجزة الحق والعدل
اجتمع بنو اسرائيل لما سمعوا أنهم وجدوا البقرة, وجاؤوا يهرولون ويقولون: لقد وجدنا البقرة.. لقد وجدنا البقرة.
فلما سمع ناداب هذا الكلام وجاءته هذه الأخبار انعقد لسانه عن الكلام واصفرّ وجهه, ووجد نفسه يقوم من مكانه مع أصحابه الى حيث يهرول الناس, فلما بلغوا ساحة القضاء وجدوه مكتظة عن آخرها بالناس ورأوا البقرة قائمة أمام نبي الله موسى, وأنه عليه السلام يقبّل الياب صاحب البقرة لما عرف أنه ابن الرجل الصالح آزر ويربّت على كتفيه ويقول له: لقد صرت رجلا والحمد لله, لقد مررت بك وأنت غلام صغير فمسحت على رأسك ودعوت لك بالخير.
وكان بالقرب منه منسى بن اليشع الرجل الذي جاء يخطب رفقة بنت شمعون القتيل لناداب ابن أخيه, وتذكر في رغبة شمعون في زواج الياب بن آزر منها, فدنا منه ورحّب به, وانحنى الى أذن موسى وأسرّ اليه كلاما لم يسمعه أحد, ثم ترك الجميع وهرول الى بيت رفقة ليخبرها أن فتاها الياب هو صاحب البقرة وقد حضر معها, أما نبي الله موسى فقد أمر بذبح البقرة, فذبحوها, فلما انتهوا قال: اقطعوا عضوا منها, فقطعوه.
فقال عليه السلام: فليحمل هذا العضو الياب فانه غريب وان كان اسرائيليا.
فحمل الياب العضو.
وقال موسى: هيا بنا الى قبر شمعون .
فذهبت الجموع تتدافع الى القبر في زحام شديد, وكثرة هائلة وهم لا يدرون ماذا يريد نبي الله بهذا كله.
قال موسى: افتحوا القبر واخرجوا جثة القتيل, ونادى: يا الياب! اضرب القتيل بالعضو الذي بيدك.
وكانت الدهشة والعجب حين رأى الناس القتيل يعود الى الحياة, ويقف بين الناس بشرا سويّا.
فقال موسى: يا شمعون نسألك بحق الذي ردّ اليك الحياة أن تذكر لنا سم الذي قتلك.
فقال شمعون: الذي قتلني هو ناداب بن صوغر.
وفي وسط ذهول الناس لهذه المعجزة, عاد شمعون الى الموت وأقبلت الجموع ثائرة على ناداب تريد أن تفتك به, ولكن موسى قال: القصاص حكم الله.. فلنقم عليه حد القتل جزاء ما فعل.
وشهد الناس مشهدا عجيبا: شهدوا الياب يزف الى رفقة في بيت أبيها. وشهدوا ناداب يندب حظه وهو يساق الى الموت.
تلك هي معجزة القتيل الذي ردّه الله الى الحياة ليشهد على قاتله.
ويقول الله عز وجل عن هذه المعجزة:{ فقلنا اضربوه ببعضها, كذلك يحي الله الموتى ويريكم آياته لعلّكم تعقلون} البقرة 73.
سبحان الله خالق المعجزات والآيات | |
| | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الأحد 28 سبتمبر - 16:42 | |
| ابراهيم
النار لا تحرق النبي
قال تعالى:{ قالوا حرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين* قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم* وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين} الأنبياء 68-70.
ابراهيم الخليل عليه السلام نبي الله, وهو خليل الرحمن, وأبو الأنبياء الأكبر من بعد نوح عليهما السلام, ولد ابراهيم عليه السلام في أور الكلدانيين في العراق, أما أبوه فهو "آزر" كما ورد في القرآن الكريم, وكان قوم ابراهيم عليه السلام الذين ولد فيهم يعبدون الكواكب السيّارة والأصنام, وقد دلت الآثار التي أكتشفت في العراق على صحة ما عرف في التاريخ من عبادتهم للأصنام الكثيرة, كما ورد في القرآن الكريم حتى كاد أن يكون لكل منهم صنم خاص به سواء الأغنياء أو الفقراء منهم في ذلك.
وقد عاب ابراهيم عليه السلام على قومه في العراق شركهم بالله وعبادتهم الأصنام, وجادل أباه وقومه في ذلك, ثم أراد أن يلفت أنظارهم الى باطل ما هم عليه من عبادة غير الله بما جاء به من حجج مقنعة وقوية وقيامه بتكسيره أصامهم الا كبيرهم, ولكن لم يرجعوا عن كفرهم وضلالهم, وانما قرروا قتله بالقائه في النار.
هذه السطور هي ملخص سريع لقصة سيدنا ابراهيم الى أن جاءت معجزة خروجه من النار ونجاته منها. ولنر هذا الصراع من البدء الى أن وصل الى نقظة القرار الشرير وهو السعي الى حرق ابراهيم عليه السلام بالنار والتخلص منه.
1. حوار مع الأب
بدأ ابراهيم عليه السلام حوارا مع أبيه بالدعوة الى الله فنهاه عن عبادة الأصنام وقد ذكر ذلك في القرآن الكريم.
قال عز وجل:{واذ قال ابراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة اني أراك وقومك في ضلال مبين}. الأنعام 74.
ولقد أنكر ابراهيم عليه السلام على أبيه عبادة الأصنام, وقال له: اني أراك وقومك تسلكون مسلك الضلال, فأنتم لا تهتدون الى الطريق الصحيح, انكم تائهون لا تهتدون الى أين تذهبون, ان ضلالكم هذ واضح لا شبهة فيه لأن الأصنام والأوثان التي تعبدونها, والتي اتخذتموها آلهة لكم, لا تصلح أن تكون آلهة في أنفسها.
قد آمن ابراهيم عليه السلام وأيقن أن الله واحد لا شريك له صاحب معجزات تفوق كل هذا الكون آمن بذلك وبدأ يضرب الأمثال لقد أراه ربه الدلالة على وحدانيّته, فلما رأى كوكبا قال لقومه هذا ربي على زعمكم, لأنهم كانوا يعبدون الكواكب والشمس والنجوم والقمر, وكذلك قال ابراهيم لقومه عن القمر فقال: انه ربي على زعم أنكم تقولون أنه اله ورب وكذلك عن الشمس, فلما غابت وأفلت, وقد رأى أفول الشمس قال للناس مبرّئا نفسه من الكفر والشرك: اني بريء من شرككم بالله تعالى. واني بريء أيضا من هذه الأصنام والكواكب والمعبودات التي جعلتموها آلهة مع الله, وقال ابراهيم عليه السلام:{ قال يا قوم اني بريء مما تشركون}. الأنعام 78.
ثم أضاف ابراهيم عليه السلام مبلّغا قومه رسالته ودينه وربّه الذي آمن به, فقال:
{ اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا, وما أنا من المشركين} الأنعام 79.
وهنا يقصد ابراهيم عليه السلام أنه قصد بعبادته وتوحيده لله عز وجلّ, وبذلك يكون ابراهيم عليه السلام حنيفا,اي مائلا للحق ومنحازا له, وقال ابراهيم عليه السلام نافيا عن نفسه الشرك:{ وما أنا من المشركين} ولن أشرك بعبادة ربي أبدا فهو الذي خلقني ورزقني ومنّ عليّ بكل هذه النعم التي لا تحصى ولا تعد.
ولكن القوم لم يقتنعوا بكل هذه الحجج القويّة والدعوة الواضحة.
2. حوار مع قومه
جادل القوم الكفار ابراهيم عليه السلام فيما يقوله وفيما توصّل اليه من الحق بشأن معبوداتهم الباطلة, لم يقنعهم قول الحق الذي قاله ابراهيم عليه السلام فقال لهم: أتجادلونني في أمر الله الذي لا اله الا هو, وقد بصّرني وهداني الى الحق, فكيف ألتفت الى أقوالكم الفاسدة, وانني لا أخاف من آلهتكم ولا أبالي بها ولا أقيم لها وزنا أبدا فان كانت حقا آلهة وكان لها ضرر أو كيد فكيدوني بها ولا تمهلوني, فالذي ينفع ويضر هو الله وحده أفلا تعتبرون وتعقلون وتتذكرون ما بيّنته لكم لتعلموا أن هذه الأصنام باطلة فتبتعدوا عن عبادتها, كيف أخاف من هذه الأصنام التي تعبدونها من دون الله ولا تخافون أنتم من الله الذي أشركتم به.
فأي الطائفتين يا قوم أحق بالأمن والطمأنينة والنجاة من عذاب الله يوم القيامة. هل هو الفريق الذي يعبد أصناما خرساء صمّاء لا تنفع ولا تضرّ, ولا تنطق ولا تعقل, أو من يعبد الله الذي بيده الضرر والنفع, وخالق كل هذه النعم, وكل هذا الكون بما فيه الكواكب والشمس والقمر والأحجار التي تعبدونها فهل تعقلون كل هذا؟ ان كنتم تعقلوه فاعبدوا الله وحده لا شريك له واتركوا عبادة الأصنام.
أما الامنون المطمئنون فهم الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له, سبحانه عز وجلّ, ان هؤلاء المؤمنين هم الآمنون المهتدون في الدنيا.
3. حوار مع الأب ثانية
حرض ابراهيم كل الحرص على هداية أبيه وضمّه الى دعوة التوحيد وترك الشرك بالله عز وجل, فكان عليه السلام صريحا معه, يصارحه فيما هو عليه من الكفر, ويقول له ان هذا الكفر ان لم يقلع عنه ويتركه سيذهب الى النار, وسيعذب عذابا شديدا.
لذلك فقد كان ابراهيم عليه السلام لطيفا ليّنا مع أبيه فهو يكرر دعوته له بغاية التلطف واللين معه, مستعملا في حديثه كلمة {يا أبت} يشعره بأنه ابنه البار الحريص على ما ينفع أباه. وقد جاء حديثه في القرآن الكريم مع أبيه لطيفا ليّنا فقال له:
{واذكر في الكتاب ابراهيم, انه كان صدّيقا نبيّا* اذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد مالا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} مريم 41-42.
لقد سلك ابراهيم عليه السلام في دعوته لأبيه مسلكا عظيما, ومنهجا حسنا, واحتج عليه أبدع احتجاج كل ذلك بحسن أدب وخلق جميل, حتى لا تأخذه عزة نفسه فيرتكب ذنبا ويستمر في شركه وكفره.
لقد طلب ابراهيم من أبيه معرفة السبب في عبادته لما لا ينفع ولا يضر ولا يستحق العبادة أصلا, كيف يترك عبادة الله الخالق الرازق النافع الضار الذي يحيي ويميت؟! وهل يستسيغ ذلك عاقل؟!
وابتعد ابراهيم عليه السلام عن وصف أبيه بالجهل فقال:{ يا أبت اني قد جاءني من العلم ما لم يأتك}. مريم 43.
كان ابراهيم عليه السلام في حديثه وسطا, فلم يصف أباه بالجهل المطلق, ولم يصف نفسه بالعلم الفائق, ولكنه قال عليه السلام لأبيه: ان معي طائفة من العلم وشيئا منه ليس معك, وذلك علم الدلالة على الحق والطريق الصحيح, وهي دلالات وحجج واضحة قوية حاسمة لا لبس ولا شكّ فيها, فلا تستكثر يا أبت عليّ النصح وأقبل قولي. فلك أن تتصوّر أنني أسير معك في طريق وعندي معرفة بالطريق ومسالكه, فمن مصلحتك أن تتبعني حتى تنجو من الضلال والتيه.
وحذر ابراهيم عليه السلام أباه من عبادة الشيطان, فقال له:
{ يا أبت لا تعبد الشيطان, ان الشيطان كان للرحمن عصيّا} مريم 44.
أي أن عبادتك لغير الله من أصنام وأوثان هي عبادة للشيطان, لأن الشيطان هو الذي يأمر بذلك وهو المؤول عنها, ولا ينبغي لك أن تطيع من يعصي الله الذي خلقك وأنعم عليك.
ثم قال ابراهيم لأبيه في تلطف: يا أبت اني أخاف ان عصيت الله وواليت عدوّه أن يقطع رحمته عنك كما قطعها عن الشيطان, فتكون كالشيطان يصيبك عذاب شديد.
وقد كان كل هذا التحذير والتخويف واضحا, ولكنه حمل أدبا وحسن خلق من ابراهيم حين قال:{ أخاف أن يمسّك عذاب} مريم 45.
فذكر ابراهيم عليه السلام خوفه عليه حتى من مس العذاب.
هكذا كان ابراهيم عليه السلام لطيفا مع أبيه, حسن الخلق ينصحه ويدعوه لطاعة الله, فيبدأ كل نصيحة من نصائحه الأربع بقوله { يا أبت} على سبيل التوسل اليه والاستعطاف, ونيل رضاه, بذلك ضرب ابراهيم عليه السلام مثلا عظيما في حسن الخلق والتأدب مع أقرب الناس اليه وهو أبوه آزر, ولكن هل كان رد الأب ايجابيا؟
للأسف, لم يكن كذلك, فقد أصرّ على عناده وكفره وقال لابراهيم: أمعرض أنت يا ابراهيم ومنصرف عن آلهتي؟ لئن لم تمتنع عن الطعن والاساءة لآلهتي وان لم تبتعد عن نصحك لي بترك عبادتها لأررجمنّك بالحجارة, هيا اهجرني وابعد عني ولا تعد تأتيني أبدا.
سمع ابراهيم عليه السلام ردّ أبيه, ولم يعارضه بسوء الرد ولم يستمر معه في الجدال, وانما قال له:
{ سلام عليك سأستغفر لك ربي انه كان بي حفيّا}. مريم 47.
لن أصيبك بمكروه يا أبي, ولكن سأدعو ربي أن يغفر لك انه كان بي حفيا أي مبالغا في اللطف بي. القرطبي ج1 ص111-113.
وقال ابراهيم عليه السلام: سأجتنبكم وأتبرأ منكم ومن آلهتكم التي تعبدونها من دون الله, وأعبد ربي وحده لا شريك له عسى أن لا أكون بدعائه خائبا ضائع الجهد والسعي. ومضى ابراهيم عليه السلام لشأنه.
4. حوار قبل تحطيم الأصنام
عاد ابراهيم عليه السلام ليحاور قومه, عسى أن يعودوا عن عنادهم وكفرهم, وسألهم قائلا: {ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} الأنبياء 52.
فأجابوا على الفور:{ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين} الأنبياء 53.
أي أنهم يعبدونها تقليدا لأسلافهم وأجدادهم, وحجتهم أمام ابراهيم هي تقليد آبائهم الذين ضلوا الطريق.
فقال لهم ابراهيم عليه السلام وعلى الفور وفي جرأة شديدة:
{ لقد كنتم أنتم وآباؤكم في ضلال مبين} الأنبياء 54.
عند ذلك اتهموا ابراهيم عليه السلام باللعب بالألفاظ وقالوا له:
{ قالوا أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين}. الأنبياء 55.
أي: أجئتنا بالجد في دعوتك ورسالتك ونسبتنا الى الكفر والضلال, أم أنت من اللاعبين المازحين في كلامهم, اننا لم نسمع من قبل كلاما كالذي تقوله يا ابراهيم.
فقال ابراهيم عليه السلام: لست بلاعب, بل أدعوكم الى الله ربكم خالق السموات والأرض الذي خلقهن وأبدعهن انه هو الذي يجب أن يعبد وليس هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع وأنا على ذلكم من الشاهدين, قوي الحجة, فهذه حجتي التي لا ينكرها أحد, وأنتم تحتجون بحجة باطلة وهي أنكم وجدتم آباءكم يعبدونها.
5. ابراهيم يحطم الأصنام
بعد انتهاء هذا الجدال بين ابراهيم عليه السلام وقومه أراد ابراهيم عليه السلام أن يلفت أنظارهم, فعزم على تكسير أصنامهم وتحطيمها, لقد أقسم ابراهيم قائلا:{ وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين} الأنبياء 57.
وانتظر ابراهيم انصرافهم وخروجهم من عيدهم وتجمعهم, وحمل فأسا ومضى الى حيث توجد الأصنام وجعل يحطم ويكسر الأصنام, حتى جعلها جميعا قطعا متناثرة هنا وهناك وأبقى على صنمهم الأكبر, أكبر صنم فيهم وعلّق في عنقه الفأس التي كسر بها بقيّة الأصنام, لعلهم يرجعون الى ابرهيم عليه السلام ودينه ويتعظون بهذه الموعظة.
6. بدء المعجزة
عاد الكفار الى الأصنام وهالهم وروّعهم ما شاهدوه.. لقد كسرت أصنامهم جميعها وعلّق الفأس في عنق الصنم الأكبر فقالوا: من الظالم الذي فعل هذا بآلهتنا؟ انه جريء في ظلمه هذا.
كان بعض الناس من الكفار قد سمعوا ابراهيم عليه السلام ويقول:{ لأكيدنّ أصنامكم} فقالوا: سمعنا فتى يذكر أصناما بمكروه منه اسمه ابراهيم.
فقرروا أن يشكّلوا له محكمة يحاكمونه فيها أمام حشد كبير من الناس وهذ ما يريده ابراهيم عليه السلام, حتى يبيّن لأكبر عدد من الناس وأمام أكبر عدد منهم أنهم جاهلون, وأغبياء عندما عبدوا هذه الأصنام التي لا تدفع عنهم الضرر ولا تدفع حتى عن نفسها الضرر, ولا تملك لنفسها ضرّا نصرا عندما تتعرّض لسوء وهذا أمر ماثل وواضح أمامكم.
واحتشد الناس وجيء بابراهيم أمام حشد هائل من الناس وطرح عليه السؤال:{ أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا ابراهيم} الأنبياء 62.
أجابهم بما يريد من اثبات بطلان حجتهم, وغباء تفكيرهم قال:{ بل فعله كبيرهم هذا فسئلوهم ان كانوا ينطقون}!! حتى يتبيّن لهم أن هذه الأصنام لا تنطق ولا تعقل فهي جماد, وبهذا قصد ابراهيم تقريعهم وتوبيخهم على عبادة هذه الأصنام, فراجعوا عقولهم, ورجع بعضهم الى بعض لضعف حجتهم وعجزهم عن الرد, وقال بعضهم لبعض: أنتم الظالمون بعبادة من لا ينطق بلفظة ولا يملك لنفسه شيئا, فكيف بنفع من يعبده ويدفع عنه الضرر وقد فشلوا في منع الفأس من تكسيرهم وتحطيمهم.
ولكن الكفار عادوا الى جهلهم وعنادهم وقالوا لابراهيم: لقد علمت أنهم لا ينطقون يا ابراهيم فكيف تقول لنا اسألوهم ان كانوا ينطقون, وأنت تعلم أنها لا تنطق؟
عند ذلك بدأ ابراهيم عليه السلام في استثمار هذا الموقف بعد أن وضعهم في أوّل طريق الحجة السليمة الصحيحة فقال لهم:
اذا كانت لا تنطق ولا تنفع ولا تضر فلم تعبدونها من دون الله؟, ثم تضجّر ابراهيم وتأفف منهم وقال لهم:{ أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} الأنبياء 67.
ورغم كل ذلك فقد صدر الأمر, أمر العاجز عن الاقناع بالحجة صدر الأمر بقتل ابراهيم عليه السلام, وأن يكون هذا القتل بطريقة بشعة, انه الحرق بالنار حتى الموت.
قالوا: { حرّقوه وانصروا آلهتكم ان كنتم فاعلين} الأنبياء 68.
وجاء قولهم أو حكمهم في موضع آخر من الآيات الكريمة:{ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم* فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين*} الصافات 97-98.
لقد عدلوا عن الجدال والمناظرة لما انقطعت حجتهم وغلبهم ابراهيم عليه السلام بالحق, ولم تبق لهم حجة ولا شبهة الا استعمال قوتهم وسلطانهم, لينصروا ما هم عليه من سفههم وطغيانهم, فكادهم الله جل جلاله, وأملى كلمته ودينه وبرهانه.
7. بدء المعجزة
ذهب الكفار الى رجل من الأكراد يقال له "هيزن" وطلبوا منه أن يصنع منجنيقا ليضعوا فيه ابراهيم عليه السلام ويلقوه في النار.
وشرعوا على الفور في جمع الحطب من جميع الأماكن والشعاب هنا وهناك, فمكثوا مدة طويلة حتى أن المرأة منهم كانت اذا مرضت تنذر لئن عوفيت لتحملن حطبا لحرق ابراهيم عليه السلام, وحفروا حفرة ضخمة فوضعوا فيها كل الحطب الذي جمعوه, وأشعلوا النار, فاضطرمت وتأججت والتهبت علاها شرر لم ير مثله قط.
ثم أخذوا يقيّدون ابراهيم ويكتنفونه ويربطونه بالحبال وهو يقول:" لا اله الا أنت سبحانك رب العالمين لك الحمد ولك الملك, لا شريك لك" رواه ابن عسكر في تاريخه 2\147.
فلما حملوه ووضعوه في كفة المنجنيق مقيّدا مكشوفا وأطلقوه الى النار بالمنجنيق, لقيه جبريل في الهواء فقال له: يا ابراهيم ألك حاجة؟
فقال: أما اليك فلا! قصص الأنبياء لابن كثير ص 121.
وجاء أمر الله فوريّا وسريعا للنار فقال عز وجل:{ يا نار كوني بردا وسلاما على ابراهيم}
حتى قيل أنه لولا أن الله قال:{ وسلاما على ابراهيم} لآذى بردها ابراهيم عليه السلام.
وقيل انه لم يصب ابراهيم عليه السلام منها الا العرق على وجهه كان يمسحه جبريل عليه السلام.
ولما ألقي ابراهيم عليه السلام في النار كان يقول:
اللهم انك في السماء واحد, وأنا في الأرض واحد أعبدك.
وكان معه في النار ملك الظل, وصار ابراهيم عليه السلام من ميل الحفرة حوله نار وهو في روضة خضراء, والناس ينظرون اليه لا يقدرون على الوصول, ولا هو يخرج اليهم.
ومكث ابراهيم في النار أربعين يوما أو خمسين يوما كانت أطيب عيشا وأكثر بردا وسعادة.
ولم تحرق النار منه سوى وثاقه وحبله الذي ربطوه به فقط وكانت النار بردا وسلاما على ابراهيم, خرج منها بمعجزة عظيمة منّ الله بها عليه, وأبت النار أن تحرق الا الكفار, فانها لا تحرق الأنبياء بأمر الله, وهذه معجزة من معجزات ابراهيم عليه السلام التي منّ الله بها عليه. | |
| | | novo_121 المدير الإدارى
عدد الرسائل : 15950 العمر : 43 العمل/الترفيه : محامي المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 18/04/2008
| | | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الأحد 28 سبتمبر - 21:29 | |
| | |
| | | فتاة الاسلام مشرف ادارى
عدد الرسائل : 2545 العمر : 37 العمل/الترفيه : تصفح مواقع النت المزاج : كن لله كما يريد يكن لك فوق ما تريد الاوسمه : تاريخ التسجيل : 21/08/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الإثنين 6 أكتوبر - 11:45 | |
| جزاك الله كل خير علي الموضوع الررررررررررررررررائع بارك الله فيكي وافادنا من مشاركاتك الرائعة | |
| | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الأربعاء 8 أكتوبر - 13:40 | |
| | |
| | | القلب الطيب مديرة العلاقات العامه والمتابعه
عدد الرسائل : 18577 الاوسمه : تاريخ التسجيل : 14/04/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الخميس 9 أكتوبر - 14:12 | |
| سلمت يداكى اختى فريدة على الموضوع الرائع | |
| | | فريدة اداره عامه
عدد الرسائل : 1895 العمل/الترفيه : بدون عمل المزاج : الحمد لله الاوسمه : تاريخ التسجيل : 23/09/2008
| موضوع: رد: معجزات الانبياء الجمعة 10 أكتوبر - 10:43 | |
| | |
| | | | معجزات الانبياء | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |