9 ـ هل تدعون سماحتكم وتحثون على القيام بعمليات انتحارية ضد الإسرائيليين ؟ أم أنكم تقولون بأن ذلك من الناحية الشرعية والدينية مبرر ضد الظلم والاحتلال إذا لم يتوفر وسيلة أخرى لمقاومة الاحتلال ؟
ج : أود أن أؤكد هنا: أن هذه العمليات الفدائية ليست هي الأصل في مقاومة الاحتلال، وإنما لجأ إليها شباب الانتفاضة والمقاومة لأنهم مضطرون إليها، وما داموا مضطرين لهذا الطريق للدفاع عن أنفسهم، وتحرير وطنهم، وإرعاب أعدائهم، المصرين على عدوانهم، المغرورين بقوتهم، وبمساندة القوى الكبرى لهم ، فليس لهم خيار، والأمر كما قال الشاعر العربي قديما:
إذا لم يكن إلا الأسنةَ مركبٌ فما حيلة المضطر إلا ركوبها!
ولا بد أن ننوه هنا إلى أن الأحكام نوعان :
الأول : أحكام في حالة السعة والاختيار .
الثاني : أحكام في حالة الضيق والاضطرار .
والمسلم يجوز له في حالة الاضطرار ما لا يجوز له في حالة الاختيار ، ولهذا حرم الله تعالى في كتابه في أربع آيات : الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله ، ثم قال : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم البقرة: 173.
ومن هنا أخذ الفقهاء قاعدة : الضرورات تبيح المحظورات ، وإخوتنا في فلسطين في حالة ضرورة لا شك فيها ، بل هي ضرورة ماسة وقاهرة ، للقيام بهذه العمليات الاستشهادية ، لإقلاق أعدائهم ومحتلّي أرضهم ، وبث الرعب في قلوبهم ، حتى لا يهنأ لهم عيش ، ولا يقر لهم قرار ، فيعزموا على الرحيل ، ويعودوا من حيث جاءوا. ولولا ذلك لكان عليهم أن يستسلموا لما تفرضه عليهم الدولة الصهيونية من مذلة وهوان ، يفقدهم كل شيء، ولا تكاد تعطيهم شيئا!
أعطوهم عشر معشار ما لدى إسرائيل من دبابات ومجنزرات ، وصواريخ وطائرات ، وسفن وآليات ، ليقاتلوا بها . وسيدعون حينئذ هذه العمليات الاستشهادية . وإلا فليس لهم من سلاح يؤذي خصمهم ، ويقض مضجعهم ، ويحرمهم لذة الأمن وشعور الاستقرار ، إلا هذه (القنابل البشرية) : أن (يقَنْبل ) الفتى أو الفتاة نفسه ، ويفجرها في الغازي المحتل لأرضه مضحيا بروحه في سبيل الله، مؤثرا حياة وطنه على حياته الشخصية. فهذا هو السلاح الذي لا يستطيع عدوه - وان أمدته أمريكا بالمليارات وبأقوى الأسلحة- أن يملكه ، فهو سلاح متفرد ، ملكه الله تعالى لأهل الإيمان وحدهم ، وهو لون من العدل الإلهي في الأرض لا يدركه إلا أولو الأبصار . فهو سلاح الضعيف المغلوب في مواجهة القوي المتجبر، وما يعلم جنود ربك إلا هو المدثر: 31.
10 ـ هل ترون سماحتكم أنه إذا ما وقع يهود تحت الاحتلال: هل يكون من حقهم القيام بعمليات انتحارية للدفاع عن أنفسهم ضد المحتل ، كما ترون أنه من حق الفلسطنيين ؟
ج : كل من كان له وطن شرعي غير مغتصب ولا منتزع من أرض الآخرين بالحديد والنار: جاز دفاعه عنه من غير شك، فإن هذا حق كفلته كل الشرائع السماوية وأقرته القيم الأخلاقية ، كما كفلته كذلك كل القوانيين والمواثيق الدولية ، وأعني به حق الدفاع عن النفس والوطن. إذا غزاه غاز أجنبي .
بل هذا ما تقضي به قوانين الفطرة، فإننا نجد في داخل الجسم البشري: جندا مجندا يقاوم كل جسم غريب ، حفاظا على الحياة من تلك الجراثيم والأجسام الغازية من خارج الجسم.
وإذا كنا أجزنا للفلسطينيين أن يدافعوا عن وطنهم – الذي احتل- بهذه العمليات الفدائية، فيلزمنا أن نجيز لليهود وغيرهم أن يقوموا بمثلها إذا غزي وطنهم الشرعي واحتلت أرضهم. ولسنا من أصحاب ازدواج المعايير، ولا ممن يكيل بكيلين : كيل للأصدقاء ، وكيل للخصوم. بل نحن مأمورون بالعدل مع من نحب ومن نكره . قال تعالى: ولا يجرمنكم شنآن قوم – أي شدة بغضهم لكم أو بغضكم لهم- على ألا تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى المائدة: 8 .
وجوابنا هنا مؤسس على افتراض أن لليهود وطنا خاصا لهم الحق في استيطانه وامتلاكه ، لا وطن انتزعوه من أرض غيرهم بالعنف والإرهاب .
11 ـ هل تفتون سماحتكم أنه من حق جميع من وقع تحت الاحتلال استخدام العمليات الانتحارية ضد المحتل ، سواء كان ذلك مسلماً أو غير مسلم , طالما هذه العمليات لا تقع بحق أبرياء مسالمين ؟
ج : نعم . كل من يحتل الأرض ظالما بغير حق ، سواء كان عربيا أو عجميا، مسلما أو غير مسلم : تجب مقاومته وتحرير الأرض من شره بشتى الطرق المتاحة .
ولهذا وقفت ضد غزو (صدام) للكويت بقوة، وكانت خطبتي بعد الغزو من جامع عمر بن الخطاب في قطر ضد هذا الغزو الظالم هي: المادة الأولى لإذاعة الكويت الحرة، التي ظلت عدة أيام تكررها كل يوم عدة مرات. وإذا ضاقت لمن يقاومون الاحتلال السبل، ولم يجدوا غير العمليات الفدائية سبيلا للتخلص من الاحتلال الغاشم وجبروته، فمن حقهم أن يستخدموها دفاعا عن وطنهم، ووصولا إلى حقهم، ما دامت هذه العمليات لا تقع في حق أبرياء مسالمين، كما في السؤال.
12 ـ هل تفتون بجواز القيام بعمليات انتحارية ضد الأبرياء والمسالمين والذين لا علاقة لهم بالجيش سواء كانوا يهوداً أو إسرائيليين أو غير ذلك ؟ ولماذا ؟
ج : أنا أفتي بمشروعية العمليات الفدائية ضد الغزاة المحتلين ومن يعاونهم، ومن حق المغزوين أن يقاوموا غزاتهم ويطاردوهم بكل ما يستطيعون من قوة، سواء كان هؤلاء المغزوون فلسطينيين أم لبنانين أم مصرين أم عراقيين أم هنودا، أم يهودا، أم أي شعب كان.
وهذا في نظر الإسلام ليس أمرا مشروعا فقط، بل هو واجب وفريضة، وتركه يوقع في الإثم والمخالفة الشرعية. لأنه تفريط في أرض الإسلام، التي يجب على المسلمين أن يدافعوا عنها بالأنفس والأموال. وهو كذلك تجريء للطغاة والمتجبرين على افتراس الضعفاء إذا لم يجدوا من يقاومهم ويصد عدوانهم .
أما الأبرياء والمسالمون حقا، الذين اثبتوا لنا مسالمتهم بالبينة، وأنهم ينكرون على قومهم ما يقترفون كل صباح ومساء من مظالم ومذابح ومآسٍ، فهؤلاء لا نقاتلهم ولا نقتلهم، ولا نأخذهم بذنب حكومتهم، وهم يبرأون من فعلها، إذ لا تـزر ( وازرة وزر أخرى ) ، و ( كل امرئ بما كسب رهين ) .
على أن هناك من الفقهاء من يقول : إن على هؤلاء أن يتحملوا نتيجة وجودهم في وطن مغتصب من أهله ، وإلا كان عليهم أن يخرجوا من هذا الوطن، ويعودوا من حيث جاءوا أو جاء آباؤهم .
13ـ هل تعادون السلام ولا تؤمنون به ؟
ج : كثيرا ما يقع عند البعض خلط في بعض المبادئ والمفاهيم ، ومن هذا تصور البعض أنني حين أؤيد العمليات الاستشهادية ضد المحتل، فمعنى ذلك عندهم أنني ضد السلام . وهذا هو الخطأ والخلط بعينه .
والحق أنني أرى أن الإسلام ـ الذي أدين الله به ، والذي أدعو إليه ـ لا يتشوف إلى القتال، ولا يتطلع إلى سفك الدماء، بل إذا انتهت الأزمة بين المسلمين وخصومهم بغير دماء ولا قتال، عقب القرآن بمثل هذه الكلمة المعبرة: ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا، وكفى الله المؤمنين القتال، وكان الله قويا عزيزا الأحزاب: 35 . فما أبلغ هذه الكلمة وما أصدقها تعبيرا عن روح الإسلام السلمية وكفى الله المؤمنين القتال.
وحين انتهت غزوة الحديبية بالصلح مع قريش، وإقامة الهدنة بين الفريقين، نزلت في ذلك سورة الفتح: إنا فتحنا لك فتحا مبينا الفتح: 1، وقال بعض الصحابة: أفتح هو يا رسول الله؟ قال: " نعم هو فتح " فلم يتصوروا فتحا بغير حرب.
وفي هذه السورة امتن الله على المؤمنين فقال: وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم الفتح: 24 . فانظر: كيف امتن بكف أيدي المؤمنين عن أعدائهم!
وكان الرسول الكريم ـ وهو أشجع الناس ـ لا يحب الحرب، ويقول لأصحابه: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموه فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف". [3]
وكان يقول: "أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن… وأقبح الأسماء: حرب ومرة". [4]
حتى لفظة (حرب) يكرهها، ولا يحب التسمية بها ، كما كان يفعل العرب في الجاهلية، مثل حرب بن أمية.
إلا أن الإسلام يحرض على القتال، وبذل النفس والنفيس، إذا فرض القتال على المسلمين على كره منهم، إذا انتهكت حرمات الإسلام، أو غزيت أرضه، أو دنس عرضه، بمثل هذه الآيات: ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول، وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين. قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين [التوبة: 13] ، وقوله : كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون [البقرة: 216].
ومع هذا لا يغلق الأبواب في وجه المسالمة والمصالحة، إذا تهيأت أسبابها، فقال تعالى: وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله [الأنفال: 61] .
والجهاد في الإسلام تحكمه (أخلاقيات) صارمة ملزمة، فلا يجيز إلا قتل من يقاتل، ولا تُُقتَل النساء ولا الولدان ولا الشيوخ الكبار، ولا الرهبان ولا الفلاحون أو التجار، ولا يجيز الغدر ولا التمثيل بالجثث، ولا قطع الأشجار، ولا هدم الأبنية، ولا تسميم الآبار، ولا يتبع ما يسمونه: سياسة الأرض المحروقة، أي التي تدع كل ما وراءها خرابا يبابا.
وهذا ما شهد به المؤرخون للمسلمين في فتوحهم ـ التي كانت في حقيقتها تحريرا للشعوب من طغيان الإمبراطوريات القديمة (الفرس والروم) ـ وقالوا: ما عرف التاريخ فاتحا أعدل ولا أرحم من العرب، أي المسلمين .
14- هل تدعون سماحتكم إلى كراهية اليهود، وبث مشاعر البغض ضدهم وضد كل من ليس بمسلم من أصحاب الديانات الأخرى كالمسيحية؟
ج – يشهد الله جل جلاله، كما يشهد كل من سمع خطبي ، وقرأ كتبي: أني من دعاة الأخوة الإنسانية، وأؤمن أن البشر جميعا عائلة واحدة، تنتمي من ناحية الخلق إلى رب واحد هو خالق الجميع، ومن ناحية النسب إلى أب واحد، هو أو أبو الجميع آدم. وأدعو الناس جميعا إلى الحب لا البغض، والتسامح لا التعصب، والرفق لا العنف، والرحمة لا القسوة، والسلام لا الحرب.
الأدعية الاستفزازية
ومن أكبر الدلائل على أن منهجي الذي أدعو إليه منهج يدعو إلى إشاعة السلام والحب ، ويدعو إلى التسامح مع المخالفين: أنني ناديت بالابتعاد عن ما أسميته: الأدعية الاستفزازية ، وقلت : ليس من الموعظة الحسنة: اتخاذ الأدعية الاستفزازية في صلوات الجمع ، وفي قنوت النوازل وغيرها.
ومما أنكرته في هذا المجال : أن بعض الوعاظ والخطباء يدعون الله تعالى: أن يهلك اليهود والنصارى جميعا، وأن ييتم أطفالهم، ويرمل نساءهم، ويجعلهم وأموالهم وأولادهم غنيمة للمسلمين.
ومن المعلوم: أن في كثير من بلاد المسلمين توجد أقليات من النصارى ـ وربما من اليهود ـ وهم مواطنون يشاركون المسلمين في المواطنة، وليس من اللائق أن ندعو بدعوة تشمل هؤلاء بالهلاك والدمار. إنما اللائق والمناسب: أن ندعو على اليهود الغاصبين المعتدين، وأن ندعو على الصليبيين الحاقدين الظالمين، لا على كل اليهود والنصارى. كما ندعو على الظالمين والطغاة من المسلمين أنفسهم. نسأل الله تعالى أن يريح البشرية من الظالمين من كل الديانات .
على أني لم أجد في أدعية القرآن، ولا في أدعية الرسول، ولا في أدعية الصحابة: مثل هذه الدعوات المثيرة: يتم أطفالهم، ورمل نساءهم، وأمثالها. بل أدعية القرآن في المعركة مثل: ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين البقرة: 250 .
ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين. ونجنا برحمتك من القوم الكافرين [يونس: 85 ، 86 ].
ومن أدعية الرسول في وقت الحرب والقتال : "اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب: اهزمهم وانصرنا عليهم" .[5]
"اللهم إنا نجعلك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم". [6]
وقد قال تعالى: ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين الأعراف: 55. أي لا يحب الذين يعتدون ويتجاوزون في دعائهم.
غير المسلمين بدل الكفار
ومن أكبر الدلائل أيضا على أن منهجي الذي أدعو إليه ـ منهج الإسلام الوسط ـ منهج يدعو إلى إشاعة السلام والحب : ألا نخاطب المخالفين لنا باسم الكفار، ولا سيما مخالفونا من أهل الكتاب.
وذلك لأمرين:
أولهما: إن كلمة (كفار) لها عدة معان، بعضها غير مراد لنا يقينا من هذه المعاني: الجحود بالله تعالى وبرسله وبالدار الآخرة، كما هو شأن الماديين الذين لا يؤمنون بأي شيء وراء الحس، فلا يؤمنون بإله، ولا بنبوة، ولا بآخرة.
ونحن إذا تحدثنا عن أهل الكتاب لا نريد وصفهم بالكفر بهذا المعنى، إنما نقصد أنهم كفار برسالة محمد وبدينه. وهذا حق، كما أنهم يعتقدون أننا كفار بدينهم الذي هم عليه الآن وهذا حق أيضا.
والثاني: أن القرآن علمنا ألا نخاطب الناس ـ وإن كانوا كفارا ـ باسم الكفر، فخطاب الناس ـ غير المؤمنين ـ في القرآن، إما أن يكون بهذا النداء يا أيها الناس أو يا بني آدم أو يا عبادي أو يا أهل الكتاب.
ولم يجئ في القرآن خطاب بعنوان الكفر إلا في آيتين: إحداهما خطاب لهم يوم القيامة: يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون [لتحريم: 7].
والأخرى قوله تعالى: قل يا أيها الكافرون. لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد. ولا أنا عابد ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد. لكم دينكم ولي دين الكافرون : 1 – 6 . فكان هذا خطابا للمشركين الوثنيين الذين كانوا يساومون الرسول الكريم على أن يعبد آلهتهم سنة، ويعبدوا إلهه سنة، فأرادت قطع هذه المحاولات بأسلوب صارم، وبخطاب حاسم، لا يبقي مجالا لهذه المماحكات.
ولهذا آثرت من قديم أن أعبر عن مخالفينا من أهل الأديان الأخرى بعبارة (غير المسلمين). وأصدرت من قديم كتابي (غير المسلمين في المجتمع الإسلامي). وقد طبع مرات ومرات، وترجم إلى عدة لغات.