بــسـم الله الرحمـن الرحيـــم
قالوا, النكبة مصطلح يدل على المآسي الجماعية، وعلى كل الفجائع التي تصيب مظاهر الحضارة والعمران، وقد يقع اسم النكبة في الشأن الفردي أو الأسري، وفي الشأن الشخصي أو القومي، وتتنوع النكبات وتتعدد مصادرها، فهناك نكبات سياسية عرقية كنكبة بغداد الأولى والثانية والمعاصرة الآن، ونكبة فلسطين 1948م حيث شُرّد أهلها من الوطن الى الشتات، ومن البيوت الى المخيمات،ومن مواطن صاحب أرض الى لاجئ مشرد مطارد، وما زال جرح النكبة ينزف ألماً وحسرة ويقطر وجعاً من الحرمان والتهجير، فأصبح غريباً بعدما كان أصلاً، وأضحى بعيداً بعدما كان قريباً، كان تحت ظل شجرة بستانه واليوم في ظل خيمة الفقر والجوع والمعاناة، وهناك نكبات المدن التي انتكبت بالحصار والإختناق كالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني سياسياً وجغرافياً وإقتصادياً ومثاله الجدار الفاصل ( نكبة أرض باسم المصادرة) أضف إلى النكبات، نكبة الشعب العراقي وحصاره داخل وطنه وبين مدنه وفي دياره كسور الأعظمية الأمريكي، الذي يمثل ظلم الإرهاب الأمريكي، وطغيان الغطرسة الأمريكية، وهناك نكبات اجتماعية وقعت على الأمة الإسلامية تقودها منظمات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والتنصير كنكبة الفقر والجوع وفقدان الأمن الشخصي والمجتمعي، ونكبة الولاءات المزدوجة ذات الوجوه المتعددة والمتقلبة والتي تسبح مع كل تيار، تبحث عن مصالحها، إما مصلحة المال أو مصلحة المنصب أو مصلحة خفية يؤدي من خلالها دور يمارسه على أبناء شعبه وأفراد مجتمعه.
ولكن... في تصوري، هناك نكبة أعظم وأشد وأخطر، يوم أن (حلّت) في قلوبنا ونفوسنا جاء بعدها نكبة فلسطين الأرض، ونكبة فلسطين الإنسان، ونكبة فلسطين الوقف، ونكبة فلسطين الأقصى المبارك، إلا وهي نكبة الدين التي سبقت نكبات دمار القرى والمدن والأمم والأقوام، فانتكبت النفوس باستقبالها للحرام بدل الحلال، والمنكر بدل المعروف، والفتنة والاضطراب بدل الوفاق والصلاح والوئام، فانتكست القلوب وعرضت عليها الفتن عوداً عوداً، والنكبات نكبة بعد نكبة، لا تستطيع حراكاً ولا إنكاراً لأن هيبة الدين ضعفت، ونور الدين قد خف شعاعه فيها، فضياع الحياء نكبة، وضياع العدل نكبة، وانتهاك الحرمات نكبة، والاعتداء على الآخرين نكبة، وأكل حقوق الناس نكبة، والتطاول على الإسلام نكبة، والسكون عن قول الحق، والعكوف عن نصرة الدين والمؤمنين نكبة، فكم من نكبة نحياها يومياً ولا منتبه!!!وكم من نكبة تهاجمنا بخراب البيوت (وسرقة) الأبناء ولا مشمر لها؟!!!.
يوم أن ضاعت الأرض , وهجّر الإنسان الفلسطيني... أتقنا البكاء والعويل والدعاء على الظالمين حتى يومنا هذا ، أتدري لماذا!!! لأن العين رأت مشهداً إجرامياً، والأذن سمعت رواية مؤلمة , والقلب تألم لمنظر صورة شيخ عجوز يرحل عن أرضه!!! ألم يأن لنا أن نتنبه لنكبات داخلية في أنفسنا وقلوبنا وبيوتنا!! ومنا من ذاق ويلاتها من خلال عقوق الأبناء والبنات، ومن خلال الكسب الحرام، وصديق السوء، وما إلى ذلك...
حتى لا تتجدد فينا النكبة، علينا أن نبني أسواراً وحصوناً متينة أساسها الإيمان بالله وقواعدها التقوى والتوبة والإقبال على الله، وحي زانها الخير والمعروف والحب والعفة، الحلال والعدل، الرضا والطاعة.
حتى لا تتجدد فينا النكبة، أعط كل ذي حق حقه، وابذل المعروف، وافش السلام واطعم الطعام وصل بالليل والناس نيام.
حتى لا تتجدد فينا النكبة، إياك ودعوة المظلوم، إياك والظلم، فإن الظلم لظلمات يوم القيامة ( وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها، وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون).
حتى لا تتجدد فينا النكبة، عليك بالحلال وابتعد عن الحرام، عليك بالحياء وابتعد عن ظاهر وباطن الإثم، وعليك بالولاء الصادق وابتعد عن الولاءات الكاذبة الخادعة التي تخدم صاحبها بالمال والمنصب والجاه.
حتى لا تتجدد فينا النكبة، حافظ على هويتك الإسلامية والوطنية، وعلى أصالتك الكريمة،وعلى شرفك العظيم، وعلى أقصاك المبارك، وعلى دينك العظيم، وكن ركناً ثابتاً في البيت الفلسطيني الكبير تحفظه، بالتوبة النصوح، والإيمان العميق، والصبر الطويل، والاعتماد على الله تعالى( وما توفيقي إلا بالله).