بسم الله الرحمن الرحيم اختيار الزوجة.. جمال الخُلق أم الخِلْقة؟
تحقيق- فوزي منصور
الكثير من الشباب المقبلين على الزواج هذه الأيام يضعون شروطًا لاختيار الزوجة، ومن أهم الشروط التي يضعونها ولا يمكن أن يتنازلوا عنها هي "أن تكون جميلة"، ويبرِّرون لهذا الشرط بأن الفتن والإغراءات قد كثُرت في عصرنا، وهو يريد زوجةً تعفه عن الحرام وتساعده على غض بصره، وقد يتنازل عن بعض الشروط إلا هذا الشرط، بل إن البعض قد يتنازل عن شرط "التدين والالتزام" ويقول: عندما أتزوجها سوف أقوم بدعوتها إلى الالتزام بالدين
[والسؤال: هل فعلاً الزواج من الجميلة- دون النظر إلى باقي الشروط- يساعد على غض البصر ويحقق السعادة الزوجية؟!
تعالَ معي أخي القارئ نعرض بعض التجارب العملية لرجالٍ تزوجوا بالفعل من جميلاتٍ وتنازلوا عن شروط مهمة لنرى كيف كانت حياتهم بعد الزواج، وهل فعلاً هم سعداء في حياتهم أم لا، ونعرض أيضًا لرجال تزوجوا من ذوات الدين وإن كنَّ لا تتمتعن بقدرٍ من الجمال.
هناك الكثير من المشاكل لرجالٍ تزوجوا الجميلات أو حسب تعبيرهم الحرفي: التي أعجبهم حسنُها، والتي ظلوا يبحثون عنها وسط كل الترشيحات حتى تُساعدهم على غض البصر، وتنازلوا عن شروط أخرى أكثر أهميةً، وبعد فترة من الزواج يشكو الزوج ويقول: "أنا غير سعيد في زواجي"!! فكيف يغض بصره ويبتعد عن التفكير في سائر النساء رجلٌ غير سعيد؟!
يقول (س. م): "لقد ظللت أبحث عن زوجةٍ متدينةٍ وفي نفس الوقت جميلة، ورأيتُ عددًا من الأخوات الملتزمات ولكن لم يعجبني جمالهن؛ فأنا كنت أبحث عن زوجة ذات جمال باهر أخَّاذ حتى تساعدني على غض بصري، ولمَّا لم أجد ذات الجمال الباهر في الملتزمات بحثتُ عنها خارج دائرة الالتزام، ووجدتها فعلاً، وقد بهرني جمالها، وقلتُ في نفسي إنني سوف أبذل معها مجهودًا أثناء فترة الخِطْبة لتحافظ على الصلاة وتلتزم بدينها وتكون أختًا متدينة، وبالفعل خطبتها، وقد أبدت بعض القبول في بداية الخطبة بأن تلتزم بدينها وحجابها، ومرت فترة الخطبة وتزوجتها، وبدأت بعد فترة من زواجنا تظهر بعض المشاكل الزوجية وتظهر من عيوبها ما لم أكن أتوقعه؛ فقد كانت عنيدةً وتتكبر عليَّ بجمالها، وأصبح جمالها نقمةً عليَّ وليس نعمة، حتى صرتُ لا أطيق النظر إلى وجهها لسوء معاملتها لي، وأفكر الآن في طلاقها والزواج من أخرى ولكن ذات دين وخلق، ولقد آمنت إيمانًا لا شك فيه أن الجمال وحده بغير دين يُدمِّر الحياةَ الزوجيةَ ويقلبها إلى جحيم".
انظر- أخي القارئ- كيف أن الجمال وحده لا يحقق السعادة ولا يساعد على غض البصر، وهذا نموذج واحد فقط عرضناه، لكن هناك نماذج كثيرة شبيهة له، وكلها تتفق في أن الجمال وحده لا يحقِّق سعادة، بل قد تغتر الزوجة بجمالها، وهذا قد حدث ذلك فعلاً مع البعض؛ لأن الذي يعصم الزوجة من ذلك هو خوفها من ربها، فإذا انعدم الخوف من الله وانعدمت الأخلاق فتوقَّعْ منها أي شيء، إضافةً إلى سوء معاملة الزوج ودلالها الزائد الذي يجعل الزوج يكره عشرتها وتزول السعادة وتتحول الحياة الزوجية إلى جحيمٍ لا يُطاق.
وهذا نموذج آخر لشاب بحث عن ذات الدين بصدقٍ وجعل الدين والخلق شرطًا أساسيًّا لا غنى عنه، وقد تزوَّج ذات خلقٍ ودين لكن كان نصيبها من الجمال قليلاً، فهل زوجته لم تحقق له السعادة؟ وهل لم تساعده على غض بصره؟.. تعالَ معي نستمع إليه وهو يتحدث عن نفسه.
يقول هذا الشاب: "عندما أردتُ أن أتزوج تذكرتُ حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"؛ فأول شرط وضعته ولم أتنازل عنه كان التدين، أما باقي الشروط فإن وُجدت بنسبةٍ فلا مانع، وبالفعل رشَّح لي أحد المقربين مني أختًا ملتزمة حاملةً لكتاب الله ومن بيتٍ طيبٍ متواضع، وعندما حكى لي عن أخلاقها أُعجبت بها قبل أن أراها، وعندما ذهبتُ لرؤيتها وجدتها سمراء، ولا تمت إلى الجمال الظاهر بأية صلة، فحدث لي وقتها انقباض، فلم أكن أتوقَّع أن تكون هكذا، ولكن تذكرتُ حديث الحبيب مرةً أخرى "فاظفر بذات الدين" وقلتُ في نفسي لن أُغيِّر نيتي، ولا بد أن أُصدِّق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبدأتُ أتحدث معها، فظهر لي أدبها الجم في الحديث وحسن انتقائها لأطايب الكلام، وظهر لي بعض الجمال الخفي الذي طغى على الشكل الظاهر، فشعرتُ بقبولٍ شديدٍ نحوها، وتمت الخِطْبة وتزوجنا بفضل الله، وأنا والله أشعر أنني أسعد زوج في العالم؛ فهي نِعْم الزوجة، وظهر لي جمالها الحقيقي في خفة دمها وجمال روحها وحلاوة كلامها، ومعاملتها الحسنة وإجلالها لي ووقوفها بجانبي وقت الشدة، وإذا غضبتُ أجدها لا تنام حتى ترضيَني، وهنا- والله الذي لا إله غيره- أيقنتُ يقينًا لا شك فيه بصدق الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وأن جمال الشكل وحده لا قيمة له إن لم يُتوَّج بجمال الأخلاق وحسن المعاشرة".
إن سحر الأخلاق الحسنة يُضفي على الحياة بهجةً وسعادة، أما عن الذين يبحثون عن الجمال فيجب أن يعلموا حقيقة جمال المرأة، حتى يبحثوا عنه، ولا ينخدعوا بجمال الشكل الذي يذهب مع متغيرات الحياة؛ فهناك جمل الشكل، وهو وحده لا يكفي؛ لأنه مع مرور الأيام والسنين والحمل والرضاعة لا يثبت، وهناك جمال اللسان؛ حيث تنتقي الزوجة أطايب الكلام لزوجها، وهناك جمال الروح الذي يتمثَّل في حُسن الخلق وحسن المعاشرة، وجمال اللسان وجمال الروح هما اللذان يبقيان مع المرأة ما دامت عارفةً بربها ورعةً تقية، أما غير الملتزمة فإن عواصف المشاكل الزوجية تُذهب بأخلاقها ولا يبقى إلا الشكل الظاهر مجرَّدًا من أي جمالٍ معنوي.
فهل ترضى- أخي الحبيب- أن تكون زوجتك جميلة المظهر لكنها سيئة الطباع والخلق؟! هل ترضى أن تكون زوجتك جميلة المظهر لكنها خبيثة اللسان؛ تنتقى أخبث الكلام وتُسمعه لك؟! هل ترضى أن تكون زوجتك جميلة المظهر لكنها سيئة الروح أو أنانية لا تُفكِّر إلا في نفسها وحسب؟! فأية سعادة مع هذه الزوجة؟! وهل تساعد هذه الزوجة زوجها على غض بصره وتعفه عن الحرام؟! أم أنه سيفكر في غيرها إن لم يُطلقها ويتخلص منها؟!
ونُذكِّر الشباب بحديثٍ لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"، ولا بد أن نؤمن أن المرأة الصالحة- بكل ما تعنيه هذه الكلمة- والصالحة فقط هي التي تحوِّل البيت إلى جنة، وتجلب السعادة والهناء والسرور إلى زوجها وأولادها وجيرانها.
غياب الفقه
[right]يقول د. رجب أبو مليح (دكتوراه في الشريعة الإسلامية) عن الذي يجعل الجمال أولاً ويتنازل عن بقية الشروط مقابل الجمال: "في الواقع هذا غيابٌ لفقه الأولويات عند المسلمين عامة والشباب بصفة خاصة؛ فلا أحد ينكر على الشباب أن يجعل الجمال محددًّا أساسيًّا من محددات اختيار الزوجة، لكن المشكلة تكمن في أن نجعل الجمال هو المحدد الأول والأخير.
والشاب العاقل يجب أن ينظر إلى الجمال بمفهومه الواسع الشامل؛ فجمال الخلق أهم من جمال الخِلْقة، وعفة الزوجة واحترامها زوجَها وأهله ودعوته أهم بكثير من جمال الجسد؛ فلا بد أن تكون نظرتنا شاملة وواعية ولا تكون مختزلة في جمال الجسد الذي لو تحقَّق وحده دون أن يكون هناك احترام متبادل وعفة وحسن خلق لتحوِّل الجمال إلى نقمة وإلى مصاعب كثيرة، فكيف يأمن الزوج على عرض زوجته الجميلة دون أن يصاحب هذا الجمال خلق متين وعقيدة سليمة وعبادة صحيحة؟! وكيف يعيش الشاب مع امرأةٍ جميلةٍ تتعالى عليه فتهينه أو تهين أهله وأقاربه بحجة جمالها الذي يجعله يعيش ذليلاً وضيعًا عبًدا لهذه الزوجة الجميلة؟!
في النهاية نحن لا ننكر أن الجمال مهم، ولكنه ليس كل شيء"
ويضيف الشيخ سعد فضل (من علماء الأزهر الشريف): "إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وضَّح لنا كيفية اختيار الزوجة فقال: "تُنكح المرأة لأربع؛ لدينها ولجمالها ولحسبها ولمالها"، ثم ذيَّل الرسول- صلى الله عليه وسلم- الحديث بقوله: "فاظفر بذات الدين تربت يداك"، وهذا التذييل يؤكد أهمية اختيار ذات الدين، وأن ذات الدين هي التي تجلب السعادة لزوجها وبيتها، ولا مانع من الجمال مع الدين، أو المال والحسب مع الدين، أما الجمال فقط دون الدين فسيكون مصدر شقاء لا سعادة، وإذا نظرنا إلى جمال المرأة فإنه مع الحمل والرضاعة وغير ذلك فسيزول ولن يبقى كما هو، أما الدين فهو وحده الباقي.
النسبية
ويوضح الدكتور حاتم آدم الاستشاري النفسي أن: "الجمال ومقاييسه أمور نسبية تختلف من شخصٍ لآخر ومن بيئة لأخرى، والجمال والقبح بعد طول العشرة يتقاربان وتبقى أخلاقها وطباعها وروحها"
ويوجه حديثه إلى الشخص الذي يبحث عن الجمال وحده دون النظر إلى باقي الشروط:
ويحك.. ماذا تفعل إذا كانت جميلة وسيئة الأخلاق والطباع أو ليست سيئة لكنها لا تتوافق معك؟! لحظتها ستتنازل عن جزءٍ من شخصيتك وكرامتك حتى تستمر الحياة!!، أما إذا التزم الطرفان بالسكن والمودة والرحمة فسيولد الحب وينمو، سواءٌ أكانت جميلة أم غير جميلة".
منقول