والتوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وحد يوحد، أي: جعل الشيء واحداً. وفي الشرع: إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات. · أقسامه: ينقسم التوحيد إلى ثلاثة أقسام: 1- توحيد الربوبية. 2- توحيد الألوهية. 3- توحيد الأسماء والصفات. وقد اجتمعت في قوله تعالى: (رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سمياً) [مريم: 65]. · القسم الأول : توحيد الربوبية: هو إفراد الله - عز وجل - بالخلق، والملك، والتدبير. فإفراده بالخلق: أن يعتقد الإنسان أنه لا خالق إلا الله، قال تعالى: (ألا له الخلق والأمر) [الأعراف: 54]، فهذه الجملة تفيد الحصر لتقديم الخبر؛ إذ إن تقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر، وقال تعالى: (هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) [فاطر: 3]؛ فهذه الآية تفيد اختصاص الخلق بالله، لأن الاستفهام فيها مشرب معنى التحدي. أما ما ورد من إثبات خلق غير الله؛ كقوله تعالى: (فتبارك الله أحسن الخالقين) [المؤمنون: 14]، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المصورين: يقال لهم "أحيوا ما خلقتم"(1). فهذا ليس خلقاً حقيقة، وليس إيجاداً بعد عدم، بل هو تحويل للشيء من حال إلى حال، وأيضاً ليس شاملاً، بل محصور بما يتمكن الإنسان منه، ومحصور بدائرة ضيقة؛ فلا ينافي قولنا: إفراد الله بالخلق. وأما إفراد الله بالملك: فأن نعتقد أنه لا يملك الخلق إلا خالقهم؛ كما قال تعالى: (ولله ملك السماوات والأرض) [آل عمران: 19]، وقال تعالى: (قل من بيده ملكوت كل شيء) [المؤمنون: 88]. وأما ما ورد من إثبات الملكية لغير الله؛ كقوله تعالى: (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) [المؤمنون: 6]، وقال تعالى: (أو ما ملكتم مفتاحه) [النور: 61]، فهو ملك محدود لا يشمل إلا شيئاً يسيراً من هذه المخلوقات؛ فالإنسان يملك ما تحت يده، ولا يملك ما تحت يد غيره، وكذا هو ملك قاصر من حيث الوصف؛ فالإنسان لا يملك ما عنده تمام الملك، ولهذا لا يتصرف فيه إلا على حسب ما أذن له فيه شرعاً، فمثلاً: لو أراد أن يحرق ماله، أو يعذب حيوانه؛ قلنا: لا يجوز، أما الله - سبحانه ـ، فهو يملك ذلك كله ملكاً عاماً شاملاً. وأما إفراد الله بالتدبير: فهو أن يعتقد الإنسان أنه لا مدبر إلا الله وحده؛ كما قال تعالى: (قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون. فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون) [يونس: 31]. وأما تدبير الإنسان؛ فمحصور بما تحت يده، ومحصور بما أذن له فيه شرعاً. وهذا القسم من التوحيد لم يعارض فيه المشركون الذين بعث فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بل كانوا مقرين به، قال تعالى: (ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم) [الزخرف: 9]، فهم يقرون بأن الله هو الذي يدبر الأمر، وهو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، ولم ينكره أحد معلوم من بني آدم؛ فلم يقل أحد من المخلوقين: إن للعالم خالقين متساويين. فلم يجحد أحد توحيد الربوبية، لا على سبيل التعطيل ولا على سبيل التشريك، إلا ما حصل من فرعون؛ فإنه أنكره على سبيل التعطيل مكابرة؛ فإنه عطل الله من ربوبيته وأنكر وجوده، قال تعالى حكاية عنه: (فقال أنا ربكم الأعلى) [النازعات: 24]، (ما علمت لكم من إله غيري) [القصص: 38]. وهذا مكابرة منه لأنه يعلم أن الرب غيره؛ كما قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) [النمل: 14]، وقال تعالى حكاية عن موسى وهو يناظره: (لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض) [الإسراء: 102]؛ فهو في نفسه مقر بأن الرب هو الله -عز وجل-. وأنكر توحيد الربوبية على سبيل التشريك المجوس، حيث قالوا: إن للعالم خالقين هما الظلمة والنور، ومع ذلك لم يجعلوا هذين الخالقين متساويين، فهم يقولون: إن النور خير من الظلمة؛ لأنه يخلق الخير، والظلمة تخلق الشر، والذي يخلق الخير خير من الذي يخلق الشر. وأيضاً؛ فإن الظلمة عدم لا يضيء، والنور وجود يضيء؛ فهو أكمل في ذاته. ويقولون أيضاً بفرق ثالث، وهو: أن النور قديم على اصطلاح الفلاسفة، واختلفوا في الظلمة، هل هي قديمة، أو محدثة؟ على قولين. قال الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذاَ لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض) [المؤمنون: 91]، إذ لو أثبتنا للعالم خالقين؛ لكان كل خالق يريد أن ينفرد بما خلق ويستقل به كعادة الملوك؛ إذا لا يرضى أن يشاركه أحد، وإذا استقل به؛ فإنه يريد أيضاً أمراً آخر، وهو أن يكون السلطان له لا يشاركه فيه أحد. وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أو يسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعاً؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربّاً