ومن أشراط الساعة: قتال الترك، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون الترك، قوماً وجوههم كالمجان المطرقة، يلبسون الشعر، ويمشون في الشعر)). وقد قاتل المسلمون الترك في عصر الصحابة رضي الله عنهم، وذلك في أول خلافة بني أمية، في عهد معاوية رضي الله عنه وقد كان عند بعض الصحابة تخوف من قتال الترك بعدما سمعوا حديث عبدالله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه، قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أمتي يسوقها قوم عراض الأوجه، صغار الأعين كأن وجوههم الحجف [وهو الترس] حتى يلحقوهم بجزيرة العرب، أما السابقة الأولى، فينجومن هرب منهم، وأما الثانية، فيهلك بعضهم وينجو بعض، وأما الثالثة فيصطلون كلهم من بقي منهم، قالوا يا بني الله من هم؟ قال: (هم الترك) قال أما والذي نفسي بيده ليربِطُنّ خيولهم إلى سواري مساجد المسلمين)) رواه الإمام أحمد.
فبعدما سمع بريدة هذا الحديث كان لا يفارقه بعيران أو ثلاثة ومتاع السفر والأسقية للهرب من البلاء الذي سينزل بسبب أمراء الترك.
وقد دخل كثير من الترك في الإسلام، ووقع على أيدهم خير كثير للإسلام والمسلمين، وكونّوا دولة إسلامية قوية، عزّ بها الإسلام، وحصل في عهدهم كثير من الفتوحات العظيمة، منها فتح القسطنطينية، عاصمة الروم، وهذا مصداقٌ لما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة عند البخاري، بعد ذكره صلى الله عليه وسلم لقتال الترك قال: ((وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية لهذا الأمر، حتى يقع فيه والناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام)).
ومن أشراط الساعة أيضاً: ضياع الأمانة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا استند الأمر إلى غير أهله، فانتظر الساعة)) رواه البخاري. وبين عليه الصلاة والسلام كما في حديث حذيفة: ((أن الأمانة ترتفع في آخر الزمان من القلوب، وأنه لا يبقى منها في القلب إلا أثرها، فيقال: إن في بني فلان رجل أميناً)).
إن من أشراط الساعة، أن الأمانة سترفع من القلوب، حتى يصير الرجل خائناً بعد أن كان أميناً، وهذا إنما يقع لمن ذهبت خشيته لله، وضعف إيمانه، وخالط أهل الخيانة فيصير خائناً، لأن القرين يقتدي بقرينه.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه ستكون هناك سنون خدّاعة، تنعكس فيها الأمور، يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون الأمين، ويؤتمن الخائن.
ومن مظاهر تضيع الأمانة، إسناد أمور الناس من إمارة وخلافة وقضاء ووظائف على اختلافها إلى غير أهلها القادرين على تسييرها والمحافظة عليها، لأن في ذلك تضييعاً لحقوق الناس، واستخفافاً بمصالحهم، وإيغاراً لصدورهم، وإثارة للفتن بينهم.
فإذا ضيّع من يتولى أمر الناس الأمانة، والناس في الغالب تبع لمن يتولى أمرهم، كانوا مثله في تضيع الأمانة، عمّ بذلك الفساد في المجتمعات.
ثم إن إسناد الأمر إلى غير أهله، دليل واضح على عدم اكتراث الناس بأمر الدين، حتى أنهم ليولون أمرهم من لا يهتم بدينه، والله المستعان.
ومن أشراط الساعة: قبض العلم وظهور الجهل، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل)) رواه البخاري ومسلم.
إن المراد بالعلم هنا، علم الكتاب والسنة، وهو العلم الموروث عن الأنبياء عليهم السلام، فبذهاب هذا العلم، تموت السنن وتظهر البدع ويعم الجهل، أما علم الدنيا فإنه في زيادة وليس هو المراد في الأحاديث، ويكون قبض العلم إما بقبض العلماء كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً، اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) رواه البخاري.
وأما، وهذه صورة أخرى من صور قبض العلم، أن لا يعمل العلماء بعلمهم، بمعنى غياب العلماء الحقيقيون الربانيون عن واقع الأمة.
ما الفائدة إذا كنت أحفظ المتون، وأحفظ الكتب والمجلدات، ثم لا أثر لي ولا ينتفع بيّ الناس.
نسأل الله جل وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، أن يرحمنا برحمته.