نـــــــــداء القـبـــــر
أخى الحبيب
ماهى إلا تذكرة من أخ شفوق عليك ناصح لك يحبك فى الله :
أخى أتعرف نداء القبر ؟؟؟؟؟
فالقبر سيناديك ويكلمك ويكلمنى بمجرد مانوضع فيه
وياله من نداء
وياله من حديث وحوار وكلام ، فالأمر مخيف جدا أيها الحبيب .
تأمل معى أخى الحبيب فيما سيأتى ، وتخيل الموقف وحاول أن تعيشه اليوم بذاكرتك قبل أن تمر عليه غدا ويكون واقعا لك تراه رأى العين .
روى أبو نعيم _ رحمه الله _ بإسناد صحيح ، عن عبيد بن عمير _ رحمه الله _ أنه قال :
[ يـُـجْـعَـل للقبر لسانا ينطق به ، فيقول : ابن آدم كيف نسيتنى ؟؟؟ أمَـا علمت أنى بيت الأكلة ، وبيت الدود وبيت الوحشة ] .
كما أخرج بن أبى شيبة فى مصنفه بإسناد صحيح ، عن عبيد بن عمير _ رحمه الله _ أنه قال :
[ إن القبر ليقول : ياابن آدم ماذا أعددت لى ؟؟ ألم تعلم أنى بيت الغربة ، وبيت الوحدة ، وبيت الأكلة ، وبيت الدود ] .
من كتاب رحلة إلى الدار الآخرة ( للشيخ أبو عمار _ محمود المصرى ) صـــ 212 ، 213 .
أخى الحبيب الغالى ،، حينما تقرأ هذا الكلام فأنا أرجوك أن تقرأه بتمهل ورَوِيـّـة ، تأمل كل حرف من حروف هذا الكلام ، وحاول أن تعيش فيه بمخيلتك .
ياالله ، تأمل نفسك وقد وضعوك فى قبرك
ابنك وأخوك وأبوك وخالك وعمك وصاحبك وجارك وكل أحبابك
كلهم اجتمعوا على جنازتك ، وقالوا لبعضهم البعض إن فلانا قد مات ولا حول ولا قوة إلا بالله
وحينما وصلوا لقبرك وفتحوه ، نزلوا ووضعوك فيه .
وما هو القبر ؟؟
إنه حفرة فى باطن الأرض أيها الحبيب .
الأرض التى نمشى اليوم فوقها ، سننام غدا تحتها وفى باطنها . تخيل هذا وتوجع وتألم ، واعلم بأن الإنسان مهما بلغ ومهما علا فى الدنيا له شأن ، فهو فى نهاية الأمر لاقيمة له أبدا والله إلا إذا رضى الله عنه وأحبه .
تأمل أخى الحبيب أول ماستوضع فى قبرك ماذا سيحدث لك .
تخيل أنك بمجرد أن يلامس جسدك تراب القبر ، تسمع صوت القبر وهو يناديك ويخاطبك وحدك وكأنه يستقبل الضيف الجديد القادم له من الدنيا .
فأنت الزائر الذى أتاه من دار مختلفة بحق ، فالقبر أول منازل الآخرة ، فالدنيا دار مليئة بالباطل ؛ أما هذا القبر فليس فيه سوى الحقيقة . الحقيقة كاملة سواء سرت صاحبها أو لم تسره ؛ ولكنها الحقيقة . حقيقة نفسه التى لم يكن يراها وسط مجاملات الناس ومداهناتهم . فحتى إن كنت بعيون الناس صالحا وأنت غير ذلك ، وحتى إن كان الناس يخاطبوك بعبارات الثناء الخداعة وأنت لاتستحقها ، ففى القبر لن تجد شيئا من ذلك ، وإنما ستجد الحقيقة عارية ومجردة من كل شىء سواها .. ستلقى فى هذه الحفرة الحساب ، ستخوض الإختبارات ، وليس معك فى هذه اللحظات أحد من أهل الدنيا ، ولا أحد ممن كانوا بالأمس رفاقا وأصحابا وأحبابا لكى يخففوا عنك أو يعينوك .
تخيل أيها الحبيب أول ماستسمع صوت قبرك وهو يخاطبك ويناديك ، ماذا ستفعل ؟؟
فهذه اللحظة من اللحظات العسيرة حقا ، وأصعب مافيها أنه ليس منها مفر ولا مهرب .
أخى ماذا تفعل فى الدنيا حينما ينقطع عنك تيار الكهرباء وأنت وحدك ؟؟
سيصيبك الخوف ، ولكن تهرول فى ثوانٍ معدودات إلى الشموع لتضيئها ، إلى مصباح حديث يعمل بأحد البطاريات لتضىء به المكان . وقد يكون انقطاع الكهرباء فى الدنيا يترك لك فى هذه الظلمة ضوءا خافتا من أى مصدر خارجى .
ولكن فى القبر فالظلمة حالكة السواد ، مظلمة جدا بشكل مخيف مرعب ، ومع هذا فلن تستطيع فيها أن تجد شمعة الدنيا ومصباح الأمس كى تنير به هذا المكان .
تخيل أيها الحبيب الغالى أن مصدر الطاقة الوحيد لك آنذاك هو عملك الذى عملته فى الدنيا ، هو وقودك وهو زادك وهو كل شىء بعد رحمة الله بك .
فاعمل من الآن أيها الحبيب لهذه الظلمة ، جهز شيئا ينير لك قبرك من الآن ؛ وإلا فأنت من ستقاسى وحدك ، وأنت من ستعيش الألم وتستشعره وحدك ، ولن يخفف أحد عنك ماستلاقيه .
تخيل ياحبيبى ، عندما ترى نفسك فى الظلام وحيدا ؛ بل منقطعا عن الدنيا وأهلها ، ولا أحد من أهلك يعلم بحالك ، وكل ماحولك ظلام ، وفى وسط هذا الظلام المسيطر على المكان حولك ، يأتيك صوت عمرك ماسمعته ، يقول لك متسائلا : كيف نسيتنى ؟؟
وحقا ياأخى ، كيف نسيناه وهو يذكرنا ولا يغفل عنا ولا ينسانا ؟؟؟
نهرب نحن من تذكره ، وهو ينتظرنا فى حقيقة الأمر .
والله ياحبيبى يالها من حسرة ينبغى لها أن تمزق قلوبنا وتقطع أوصالنا من الألم والحزن .
وحينما يسألك إستنكارا عليك واستنكارا على نسيانك إياه ، فيقول : أما علمت أنى بيت الغربة ؟؟؟
أما علمت أنى بيت الوحشة ؟؟ أما علمت أنى بيت الدود ؟؟ أما علمت أنى بيت الأكلة ؟؟
فأين الإجابة على هذه التساؤلات ؟؟
إن الإجابة عليها هى حالنا ، فحالنا وقتها هو الإجابة الشافية لكل هذا ،
فكل واحد منا حينذاك غريبا داخل قبره ، تتسابق عليه الديدان والأكلة لتنهشه وتأكله ، وهو لا يستطيع أن يدفعها ولا أن يكفى نفسه إياها .
ستكون وحدك فى وحشة داخل الظلمات ياهذا .
فلمثل هذا اليوم فأعدوا من الآن .
أخى الحبيب كلنا سيسمع نداء قبره وكلامه ، ولكن ستختلف كلمات القبر من هذا إلى ذاك . ففريق يسمع أعذب كلمات ، وفريق سيسمع ماتشيب من هوله الولدان فى ريعان الصّـبا .
فمن أىّ الفريقين تحب أن تكون ؟؟ وأىّ نداء تحب أن يخالط مسامعك ؟؟
روى ابن المبارك بإسناد صحيح ، عن أسيد بن عبد الرحمن _ رحمه الله _ أنه قال :
[ بلغنى أن المؤمن إذا مات ، وحُـمِـل ، قال : أسرعوا بى ، فإذا وُضِـع فى لحده كلمته الأرض فقالت له : إن كنتُ لأحبك وأنت على ظهرى ، فأنت الآن أحبّ إلىّ .
فإذا مات الكافر ، وحُـمِـل ، قال : ارجعوا بى ، فإذا وُضِـع فى لحده كلمته الأرض فقالت : إن كنتُ لأبغضك وأنت على ظهرى ، فأنت الآن أبغض إلىّ ] .
من كتاب رحلة إلى الدار الآخرة ( للشيخ أبو عمار _ محمود المصرى ) صـــ 213 .
أخى الحبيب : ماذا تحب أن تسمع ؟؟ وبأى نداء تحب أن تناديك الأرض ؟؟
تذكر أيها الحبيب أنك ستكون فى هذا وحدك ، ولن يكون معك فيه لاأب شفوق ، ولا أم حنون ، ولا أخ حبيب ، ولا صاحب ناصح .
تذكر أخى الحبيب أن كل هؤلاء أنت الآن تسمع قرع نعالهم وهم يغادرون المكان مسرعين فى خطاهم إلى بيوتهم ، بعد أن أسكنوك فى جوف التراب وتركوك وانصرفوا .
فلمثل هذا اليوم فأعدوا من الآن
ايا العقول الناسيه افيقى
هلى نسيتم الموت والقبر واننا راجعون الى خالق اما رحيم او شديد العقاب
وعجبا لمن اقول لها عودى لله واستغفرى فتقول ان الله غفور رحيم ونست قوله تعالى ان عذابى لشديد
رحماك يا ربى رحماك