اسمحوا لى أن أبدأ بحديث البشائر المصرية التى لن تقدر مسالك الوقاحة السياسية التى تمارسها حكومة نتنياهو على اختطافها من أمام عيوننا.
أولى البشائر تتمثل فى انتفاء حالة القلق العام التى انعكست فى تساؤلات المصريين وفى تذبذب البورصة وحلول حالة الاطمئنان بعودة الاستقرار مع وصول الرئيس محمد حسنى مبارك سالماً إلى أرض الوطن.
ثانية البشائر تتمثل فى تفتح حالة الحراك الديمقراطى المصرى فى إطار رفيع المستوى يليق بنا كمصريين بنزول الدكتور البرادعى إلى الشارع فى صلاة الجمعة بالمسجد الحسينى واختلاطه بالجماهير دون أى عمل خارج يعكر صفو الممارسة الديمقراطية لرجل يدعو إلى التغيير.
البشارتان معاً تجتمعان عندى فى معنى تقدم الحالة المصرية المرتكزة على استقرار الوطن واطمئنان المواطنين على بلدهم وأنفسهم وممتلكاتهم فى ظل رئيس منتخب يطمئن إلى وجوده الجميع حتى أولئك الذين يخالفونه فى السياسات وينحازون إلى مرشحين رئاسيين آخرين.
مؤشر رائع فى نظرى أن تخفت، بل تختفى الشائعات حول صحة الرئيس الشرعى للبلاد وفى الوقت نفسه أن يحدث الشىء نفسه فتختفى حالة الصياح فى الصحف القومية ضد البرادعى.
إن هذا المؤشر يجب أن يكون محل حفاوة من المواطنين والسياسيين على حد سواء، ذلك أن ثباته لفترة معقولة يمكن أن ينجب حالة توافق بين الرئيس الشرعى المنتخب محمد حسنى مبارك ودعاة تغيير المادتين ٧٦ و٧٧ من الدستور لتخفيف ضوابط الترشح فى معركة الانتخابات الرئاسية وقصر فترة الرئاسة على مدتين فقط.
أعتقد أن كل شىء ممكن فى حالة استرخاء الأعصاب لدى الجميع، وبالتالى ممارسة الخلاف السياسى فى إطار من التقاليد الديمقراطية الراقية التى تحظر التهجمات الشخصية على المخالفين فى الرأى، وتدعو إلى منطق الحوار الموضوعى وليس التنابز بالألقاب، وتشجع على منطق الحلول الوسط لتتحقق معادلة (win-win) أى الكسب للطرفين.
فإذا كان جوهر الديمقراطية هو تحويل الصراعات الداخلية من مجال الاقتتال والعنف إلى مجال الحوار السلمى والمنافسة الانتخابية فإن هذا الجوهر بالضرورة يميل إلى معادلة الكسب المتبادل للمتنافسين وليس إلى معادلة (win-loose) التى تحكم الصراعات العنيفة وتقضى بأن يصرع أحد الطرفين الآخر بضربة سيف لينفرد بالساحة.
إن معادلة الكسب للطرفين المتنافسين فى التجارب الديمقراطية تترجم نفسها فى تكوين الحكومات الائتلافية بين الأحزاب التى حصلت على أصوات متقاربة دون أن ينهى حزب المعركة الانتخابية لصالحة بأغلبية حاسمة.
المهم عندى هنا هو أن نعمل على تثبيت مؤشر الاستقرار فى أحوال الوطن لتمضى مصر فى هدوء نحو الانتخابات التشريعية هذا العام، والرئاسية عام ٢٠١١، مع خلق الثقافة الديمقراطية اللازمة لتنمية الممارسات الديمقراطية وتحسين شروطها الدستورية والتشريعية.
حمداً لله على سلامتك يا سيادة الرئيس ومرحباً بك يا دكتور برادعى فى ساحة المنافسة الديمقراطية المصرية، وهنيئاً لشعب مصر ما يحققه من تقدم فى مؤشر الاستقرار والممارسة الديمقراطية.
■ ■ ■
■ إذا انتقلنا إلى حديث الوقاحة الإسرائيلية فأعتقد أننا لسنا فى حاجة إلى استعادة تفاصيل التصرفات الوقحة، يكفى أن نشير على نحو عاجل إلى أن كل خطوة سلمية بناءة تقوم بها الدول العربية تقابل من إسرائيل بإهانة واستفزاز متعمد بتصعيد الانتهاكات مثلما حدث فى أعقاب موافقة وزراء الخارجية العرب على الاقتراح الأمريكى بإجراء مفاوضات غير مباشرة، ذلك أنه فى أعقاب القرار قامت القوات الإسرائيلية باقتحام المسجد الأقصى.
إن الوقاحة الإسرائيلية تبدو مؤسسة على إحساس جنون العظمة الذى يفصح عن نفسه بالقول وبالفعل.
فلقد أصبح كثير من القادة فى الأحزاب اليمينية المؤتلفة فى حكومة نتنياهو يجاهرون بأنه لا توجد قوة فى الأرض تستطيع إرغام إسرائيل على فعل ما لا تريد. لقد أفرزت هذه الحالة من الوقاحة المؤسسة على جنون العظمة سلوك إهانة نائب الرئيس الأمريكى جون بايدن بالإعلان عن بناء ١٦٠٠ وحدة استيطانية فى القدس أثناء وجوده فى إسرائيل، ثم أفرزت رد نتنياهو العنيف على وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون عندما خطبت فى منظمة إيباك اليهوديةـ الأمريكية مطالبة بتجميد الاستيطان عامة وفى القدس خاصة. لقد رد نتنياهو بخطاب قال فيه إن القدس ليست مستوطنة بل هى عاصمة إسرائيل وهو رد يصادر إحدى قضايا المفاوضات على الوضع النهائى ويوجه صفعة إلى المجتمع الدولى كله بما فى ذلك الرباعية الدولية.
السؤال الراهن يقول: ترى هل يستطيع الرئيس الأمريكى أوباما بعد أن ارتاحت أعصابه من معركته الداخلية لتمرير قانون الرعاية الصحية فى الكونجرس أن يستجمع إرادته لمواجهة حالة الوقاحة وجنون العظمة الإسرائيلية؟
إن نتنياهو لم يبد انزعاجاً كبيراً من المطالب الثلاثة عشر التى وجهها له أوباما، وأولها وقف الاستيطان بل اجتمع مع السباعية الوزارية، وأكد لها أنه لن يتزحزح عن مطلب الاستيطان فى القدس، وأنه لن يفكك حكومته أو يدخل حزب كاديما مكان أحزاب اليمين، لأنه هو نفسه يؤمن بضرورة توسيع الاستيطان وأنه لا يفعل ذلك لإرضاء حزب «إسرائيل بيتنا» وزعيمه أفيجدور ليبرمان وحزب شاس وزعيمه إيلى شاى. كل ما طلبه نتنياهو من السباعية الوزارية أن يأخذ الوزراء وقتهم فى التفكير الخلاق.
لماذا؟ من أجل إيجاد صيغة ترضى أوباما وتحول دون وقوع صدام معه وتكفل مواصلة أهداف الحكومة فى الاستيطان والتوسع وقتل عملية التسوية فى الوقت ذاته.
إن سياسة فرض الأمر الواقع لم تعد تتم بالمناورة أو المراوغة بل أصبحت تجرى مجاهرة وبالتحدى السافر، لقد طالب بان كى مون، أمين عام الأمم المتحدة، قمة سرت بمواصلة جهود التفاوض غير المباشر، وإننى أعتقد أن المصلحة العربية تقضى بعدم اتخاذ موقف يمكّن نتنياهو من الإفلات من المواجهة مع أوباما، علينا أن نصوغ موقفاً يؤكد الصلابة العربية فى رفض الاستيطان وانتهاك المقدسات من ناحية، ويحرم نتنياهو من الزعم بأنه يريد التفاوض وأن العرب هم الذين يرفضون وهو ما فعلته القمة بالفعل.
لست على يقين من النتائج المتوقعة من الموقف المتوازن الذى اتخذته القمة، ولكنه بالتأكيد يفتح الطريق أمام أوباما وأوروبا لممارسة ضغوط أشد على حكومة نتنياهو.
إن فى جعبة نتنياهو أوراق لعب كثيرة يستطيع بها تفريغ الضغوط الدولية والتملص من عملية السلام وهو أمر يجب أن نعيه وأن يكون واضحاً ونحن نلاعبه فى الساحة الدولية لنحسن تجميع أوراقنا دون أن نهمل البدائل فى حالة فشل عملية السلام كلية، وأهمها التوجه هذا العام إلى الأمم المتحدة لاستصدار قرار بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية على الأرض المحتلة عام ١٩٦٧.
حالة المهم أن نجمع العالم معنا ليكون شاهداً على أنه لا علاج للوقاحة الإسرائيلية وجنون العظمة إلا بمواجهة دولية شاملة تكسر أنف هذه الحالة الإسرائيلية.
var BDiv = document.getElementById("B20Div"); if(BDiv != null) { setTimeout("copy('B20Div','B20DivTemp')", 1000); }
|
GA_googleFillSlot('Beforcomments_1');
|