حقيقة لا حول ولا قوة الا بالله
...... " لا حول ولا قوة الا بالله " تلك الكلمة العظيمة ذات المعانى الجليلة والدلالات العميقة , وقد تنوعت
الأحاديث فى الدلالة على تشريف هذه الكلمة وتعظيمها , حيث أخبر صلوات الله وسلامه عليه أنها من أبواب
الجنة , وأنها من كنز تحت العرش , وأنها غراس الجنة, وأنها من الباقيات الصالحات التى ينبغى للعبد أن
يستكثر منها , ومر معنا أيضا أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالاكثار من قول : لا حول ولا قوة الا بالله , وكل
هذا يدل بجلاء على عظم فضل هذه الكلمة ورفعة شأنها , وأنها كلمة عظيمة جليلة ينبغى على المسلمين أن
يعنوا بها وأن يكثروا من قولها , وأن يعمروا أوقاتهم بكثرة تردادها لعظم فضلها عند الله , ولكثرة ثوابها عنده , ولما يترتب عليها من خيرات متنوعة , وأفضال متعددة فى الدنيا والآخرة .
فهي كلمة اسلام واستسلام , وتفويض و تبرؤ من الحول والقوة الا بالله , وأن العبد لا يملك من أمره شيئا ,
وليس له حيلة فى دفع شر , ولا قوة فى جلب خير الا بارادة الله تعالى . فلا تحول للعبد من معصية الى طاعة ,
ولا من مرض الى صحة , ولا من وهن الى قوة , ولا من نقصان الى كمال وزيادة الا بالله , ولا قوة له على
القيام بشأن من شؤونه , أو تحقيق هدف من أهدافه أو غاية من غاياته الا بالله العظيم , فما شاء الله كان ,وما
لم يشأ لم يكن , فأِزمٌة الأمور بيده سبحانه , وأمور الخلائق معقودة بقضائه وقدره , يصرفها كيف يشاء
ويقضي فيها بما يريد , لا رادٌ لقضائه , ولا معقٌب لحكمه , فما شاء كان كما شاء في الوقت الذي يشاء , على
الوجه الذي يشاء من غير زيادة ولا نقصان , ولا تقدم ولا تأخر , له الخلق والأمر وله الملك والحمد , وله
الدنيا والآخرة , وله النعمة والفضل , وله الثناء الحسن , شملت قدرته كل شيء ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن
يقول له كن فيكون ) سورة يس - 82 - , ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا
مرسل له من بعده ) سورة فاطر - 2 - , ومن كان هذا شأنه فإن الواجب الإسلام لألوهيته , والإستسلام
لعظمته , وتفويض الأمور كلها إليه , والتبرؤ من الحول والقوة إلا به , ولهذا تعبٌد الله عباده بذكره بهذه الكلمة العظيمة التي هي باب عظيم من أبواب الجنة وكنز من كنوزها .
فهي كلمة عظيمة تعني الإخلاص لله وحده بالإستعانة , كما أنٌ كلمة التوحيد لا إله الا الله تعني الإخلاص لله
بالعبادة , فلا تتحقق لا إله إلا الله إلا بإخلاص العبادة كلٌها لله, ولا تتحقق لا حول ولا قوة إلا بالله إلا بإخلاص
الإستعانة كلٌها لله , وقد جمع الله بين هذين الأمرين فى سورة الفاتحة أفضل سورة في القرآن وذلك في قوله
( إياك نعبد وإياك نستعين ) فالأول تبرؤ من الشرك , والثانى تبرؤ من الحول والقوة والتفويض الى الله عز
وجل , والعبادة متعلقة بألوهية الله سبحانه , والإستعانة متعلقة بربوبيته , العبادة غاية , والإستعانة وسيلة ,
فلا سبيل الى تحقيق تلك الغاية العظيمة إلا بهذه الوسيلة : الإستعانة بالله الذى لا حول ولا قوة إلا به , ولهذا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" وذلك أن هذه الكلمة ( أي لا حول ولا قوة إلا بالله ) هي كلمة استعانة
لا كلمة استرجاع , وكثير من الناس يقولها عند المصائب بمنزلة الإسترجاع , ويقولها جزعا لا صبرا " .
وعلى هذا المعنى المشار إليه يدور فهم السلف رحمهم الله لهذه الكلمة العظيمة , أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما في " لا حول ولا قوة إلا بالله " قال :" لا حول بنا على العمل بالطاعة إلا بالله , ولا قوة لنا على ترك المعصيةإلا بالله " .
وأخرج أيضا عن زهير بن محمد أنه سئل عن تفسير " لا حول ولا قوة إلا بالله " قال : لا تأخذ ما تحب إلا بالله , ولا تمتنع مما تكره إلا بعون الله .
منقوووووووووووووووووووووووووووووووووووووووول