من الجميل أن تجد من تتحدث إليه ، ومن الأجمل أن تجده يصغى إليك ، يفهمك ، يتفاعل معك ، يؤيدك إذا أصبت ، ويقومك إذا أخطأت ؛ وقد سعدت كثيراً بالمشاركة في هذا المنتدى لهذه الصحبة التي تعبر كلماتها عن صدق المشاعر وأصالة المعدن وصدق من قال : أخبرني من تصاحب أخبرك من أنت ... وأنقل لكم هذه الكلمات عسى أن تكون مشاركة مقبولة ( تحت عنوان قرأت لك ).
إن لكل إنسان في هذه الحياة غايته، وتختلف الغايات باختلاف العقائد والرؤى والأعراف والعادات ودرجات العلم ورقي المجتمعات ؛ وتعيش أمتنا في هذه الأيام كبوات ونكسات مما وصلت إليه حالتنا العامة؛ حيث ساءت كل المؤسسات ، فما وصلت إليه المؤسسة التعليمية من قصور وسطحية، والمؤسسة الثقافية من تدهور وإسفاف، والمؤسسة الإعلامية من سفور وفجور ونفاق، والاقتصادية من ركود وتبعية وبطالة قاتلة، والسياسية من انسداد وقهر وكبت وتزوير لإرادة الأمة، والاجتماعية من تفكك في الروابط وانحلال في القيم وتفاوت صارخ وجارح بين الطبقات، والمؤسسة البحثية من فقر في الإمكانات وفتور في الإرادات وتسييس للقيادات، ناهيك عن المؤسسة الأمنية وما بها من ظلم وظلام وقهر وامتهان وسحل وسحق بالأقدام لكل من أراد للوطن رفعة أو للإسلام، كل هذا الانحدار في القيم أثر سلبًا في هوية الأمة.ولأننا جميعا مسئولون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"، وكلما كبر حجم المسئول كبرت مهامه ومسئوليته أمام الله، سيُسأل الرئيس والمحافظ والوزير والموظف البسيط، سيقال لهم ولنا جميعًا ﴿وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ(24)﴾ الصافات.
سيوقف كلُّ واحدٍ منا ليُسأل عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه، هذا السؤال الموجه والمحدد عن هذه الفترة المحددة في حياتنا إنما يعني أنها فترة هامة وعزيزة وغالية، الفترة الذهبية في حياتنا جميعًا، فلو فسدت كل الدنيا من حولنا لوجب علينا أن ننجو بأنفسنا ونفر إلى الله، ونحاول جاهدين أن ندرأ كل فساد فإن لم نستطع تبرأنا منه ولذا كان لزامًا علينا أن نخاطب بعضنا بعض بحديث صدقٍ ومحبةٍ وصراحةٍ وتجردٍ، بكلماتٍ ملؤها الصدق والوفاء، دفعنا إليها الحب في الله وحب الخير لكل المسلمين. فإليك أيها الحبيب، إليك يا أمل الأمة، يا عالي الهمة، وأملي أن تعيرني منك سمعًا وقلبًا وروحًا، بعيدًا عن التعلق برواسب الدنيا وملذاتها، دعنا نتحدث بكل وضوح وصراحة وموضوعية، فلتجاهد نفسك على بعض الأمور الهامة في حياتنا جميعًا ومنها:
1. أن تحدد غايتك وأن ترسم لنفسك طريقها إلى ما ينفعك، وليس أفضل لأي إنسان من طريق رسمها له خالقه وباريه رب العالمين، وعلمه في كتابه العزيز أن يتضرع إليه أن يهديه إليها على الدوام محددة المعالم والأركان﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (7)﴾ الفاتحة ، وهذا هو أقصر السبل إلى الله عز وجل وإلى الهدى والخير والفلاح، وهو المخرج من كل ضيقٍ وكربٍ وهوانٍ ومن كل ما نحن فيه ﴿.... وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)﴾ الطلاق.وهذا الطريق وحده هو العاصم من كل زيغٍ أو شططٍ أو شرودٍ، ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)﴾ الأنعام ، وعليك أن تجتهد في تلمس هذا الطريق، وتتحرى الأسباب الموصلة إليه، وأن تجاهد نفسك على الثبات عليه مهما بلغت تكاليف هذا الثبات واستبان لك وعورته والمكاره التي تحيط به، فكل طريق لها علامات، وأنت تستيقن أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، والمؤمن قد وحَّدَ غايته، فهي ليست راحة في الدنيا ولا متاع، إنما الغاية هي الله ورضاه، فثبت على طريق الله يردد: "الله غايتنا" فمن أجلها خُلقنا، ولها نعمل.
2. عليك أن تعطي هذه الطريق التي رسمها لك خالقك واخترتها وارتضيتها أنت لنفسك حقها من الطاعة والعبادة لله عز وجل، وأن تستمد العصمة والهداية من الله سبحانه، وألا تألو جهدًا في التضرع إلى الله أن يثبتك على هذا الطريق وأن يربط على قلبك ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14)﴾ الكهف، وأن تعلم أن حياتك هذه مهما طالت فهي دار ممر وأن الحياة الحقيقية هي عند الله سبحانه وتعالى ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(64)﴾العنكبوت، وحتى لا تلوم نفسك على ما فرطت فيه وقصرت يوم ترى النار عين اليقين تنادي على الظالمين، يومها يقول المفرِّطُ في جنب الله: يا ليتني قدمت لحياتي ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24)﴾ الفجر، ولتعمل أخي لهذه الحياة الباقية عملاً ترضى به عن نفسك ويرضى به عنك ربك.
كن أخي مع الله يكن الله معك، أحبب الله ورسوله والناسَ لله وفي الله يحبك الله، اعبده وتوكل عليه، اذكره ذكرًا كثيرًا كما أمر، اشكره يزدك، ناده وتبتل إليه صباح مساء: (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ، فوض الأمر إليه وادعوه خوفًا وطمعًا وناجه في السحر (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء همي وغمي(.
3. تجنب أخي تمامًا- حفظك الله- أصدقاء السوء ومنازل السوء أيًّا كانت، وليكن حاكمك قول نبيك- صلى الله عليه وسلم-: "المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل"، ولتنظر إلى هذه القاعدة العظيمة "قل لي من تصاحب؟ أقل لك مَن أنت؟"، فبكثرة الخلطة يزداد تأثر النفس بطبائع غيرها من الناس سلبًا أو إيجابًا، والناس على اختلاف، فمنهم الصالح والطالح، فلْتدَع أصدقاءَ السوء، وعليك بملازمة الصالحين الذين يتقون الله في أفعالهم وأقوالهم، ولتسأل نفسك هل أصدقاؤك وخلانك أصدقاء سوءٍ أم صلاحٍ؟ هل يقربونك من الله، يعينونك إذا ذكرته ويذكرونك إذا نسيت؟، المؤمن الكيس الفطن من يحسن اختيار جليسه، روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة"، وليكن دومًا قلبك معلقًا بالمساجد، بيوت الله، إليها تلجأ ومنها تنطلق وبعمارتها تشتغل وبعُمَّارِها تستأنس.
4. أن تحاسب نفسك دائمًا حتى تنجو بها من النار ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (6)﴾ التحريم، وأن تأخذ هذه النفس بالشدة، وأن تخليها من كل مذموم وتحليها بكل محمود، وتزكيها بالطيبات وتنميها بالصالحات، وأن تتاجر بها مع الله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11)﴾ الصف، وأن تشارطها على الاجتهاد في العمل وتحاسبها عليه وتراقبها فيه وتعاقبها على التقصير إن قصرت.
وأن تكون لك وقفات تقويمية لمسار حياتك، تعالج فيه أدنى انحراف أو زيغ أو نكوص أو قعود أو فتور، وأن تعدل على الفور مسار حياتك بما يتناسب مع الغاية التي حددتها، فكل إنسان تتجاذبه عوارض من الغايات والشهوات والأهواء والتي قد ينحرف بها مساره عن الطريق التي رسمها له خالقه واختارها هو طوعًا لنفسه، فلا بد لكل إنسان من عين بصيرة ناقدة لنفسه ولسلوكه، يقوِّم بها خطواته فلا يترك هذه النفس هملاً إنما يصحح مسارها بين الحين والآخر حتى يظل مرابطًا على الصراط المستقيم، صراط الله الحميد.
5. ألا تبدأ حياتك العملية بما يغضب الله عز وجل، فلا تطلب الغش ، ولا تطلب رزقًا من حرام، وأن تبتعد تمامًا عن الربا حتى لو يسَّروا لك القروض وأحلَّوها بفتاوى سلطانية، ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)﴾ البقرة ، ولا تطلب العلا والرفعة بالسير في ركب الظالمين أو التسلق على أكتاف الآخرين، ولا تداهن ولا تماري، بل عليك أن تقول الحق ولا تخشى في الله لومة لائم، ولا تؤيد باطلاً مهما كان الثمن، ولا تتجسس على أحد لتُرضي أحدًا مهما علا شأنه، ولا تبني بيتًا إلا مع زوجةٍ مؤمنةٍ تُعينك على طاعة الله وتحفظك في مالك وفي عرضك وتنشئ معك أبناءً يعبدون الله وبيتًا عاملاً لله ومجاهدًا في سبيله، ولا يُلفتك عن هذا الاختيار عرض الدنيا الزائل من مالٍ أو جمالٍ أو منصبٍ أو جاهٍ، ولا تلوي عنقك إغراءات المائلات المميلات، ولا ترتشي أو ترشي لتطلب نفعًا على حساب الناس.
6. أن تكون إيجابيًّا ومشاركًا بفاعلية في الحياة الاجتماعية، فأنت بارٌ بوالديك وجيرانك، دائمُ الوصال مع كل أفراد مجتمعك، واصلٌ لرحمك، مشاركٌ في الأفراح والأتراح، مصلحٌ بين الناس، تسعى دومًا بالخير لكل الناس، تعين الضعيف، وتساعد الفقير والمسكين، وتعطف على اليتيم، وتعطي السائل والمحروم، وتطعم الطعام، تحفظ العهد والأمانات ولا تخون، قائم بالشهادة بين الناس، فلك بذلك كل يوم عبادات اجتماعية تصلح بها نفسك ومجتمعك، وترفع بها درجتك عند ربك عز وجل.
7. أن تؤيد الحق دومًا وتصارع الباطل وألا تيأس من رؤية الباطل منتفشًا، وأن تعلم يقينًا أن أول مراتب الإصلاح لأي أمة هو الإصلاح السياسي، فعليه تُبنى كل مراتب الإصلاح، وعليك أن تجهر بالحق ولا تخشى في الله لومة لائم، مع التزامك الكامل بآداب النصيحة والدعوة لله، وأن تعلم يقينًا أن "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر"، وأن "سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله"، ولتعلم أن الحق يلزمه رجلان، رجل يقوله ورجل يدافع عنه، فكن أخي الحبيب أحد الرجلين.
8. أن يكون لك دورٌ رائدٌ في تعبيد الناس لله تعالى ودلالتهم على طرق الخير، وأن تجتهد في سبيل ذلك بأن تدعو إلى الله على بصيرة، بعد تحصيل العلم النافع الذي يعينك على ذلك من حفظ ما تيسر من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومدارسة فقه العبادات والمعاملات، وأن تجالس الصالحين، فتربي بذلك نفسك ثم تربي على هذا الخير الناس، وهذه طريق كل مسلم، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾ يوسف.
9. أن تفطم نفسك عن المعاصي، وأن تروضها على الطاعة وترك المعصية والبعد عن الشهوات وليكن هواها فيما يحبه الله ورسوله، فالناس يلجئون إلى الشهوات واللهو والمراقص والمسلسلات وقتل الوقت أمام التلفاز ليروِّحوا عن أنفسهم، والمؤمن يجد راحته وحبوره ومتعته في الوقوف بين يدي الله خالقه، وفي قراءة القرآن وسماعه، والمكث في بيوت الله، وحضور دروس العلم، والجلوس إلى القراءة في شتى فروع المعرفة في زمن عزَّت فيه القراءة وندر القرَّاء، فالنفس تنفطم عن المعصية وتكرهها إذا شغلناها بالطاعة، وهذا هو عين الفلاح ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10)﴾ الشمس.
وأن تستيقن أن راحة البال والهدوء النفسي ليس في ما لذ وطاب من أنواع الطعام، أو فرُشٍ من ريش النعام، أو مجاورة، أو حتى الجلوس على كراسي الحكام، إنما الراحة كلها في اللجوء إلى الرحمن، ولزوم طريق الجِنان، حتى ولو بين يدي سجَّان، أنظر عزيزي الشاب إلى هؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم كيف استيقنوا من كفاية عطاء الله فأفردوه بالقصد والطلب ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10)﴾ الكهف ، وانظر إلى هذه الاستجابة الفورية والهداية الربانية ﴿وَإِذْ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)الكهف ، فكانت دعواهم ﴿رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً﴾ جاءتهم من الله سريعًا الاستجابة ﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾، وبدعواهم ﴿وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ كان عطاء الله قريبًا منهم ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا﴾.
انظر كيف كانت الرحمة والمرفق الوثير الطيب في جدران هذا الكهف المصمتة الباردة، فقط لأنها كانت إلى جوار الله، هكذا فهم الدعاة إلى الله، فعلموا أن سجنهم خلوة مع الله وأن نفيهم من الأرض سياحة، فكانت المحن منحًا لهم قربتهم من ربهم وصهرتهم في بوتقة الإيمان به والتسليم له، واستيقنوا أن تعذيبهم وسجنهم ما قصر في أعمارهم ولا قلل من أرزاقهم.
10. أن تعايش آمال وآلام أمتك الإسلامية في كل مكان وأن تحمل همَّ إخوانك في كل العالم الإسلامي وأن تبلغ قضيتهم إلى كل الناس وتحثهم على مساعدتهم والوقوف إلى جانبهم لاسترداد حقوقهم وأن تعيش مهمومًا ومشغولاً بهموم هذه الأمة ولا ينحصر همك في شهادة تأخذها أو لقمة تأكلها.إنما يكون همك ما أهمك، أرض الأمة مغتصبة، وعرضها مستباح، وثرواتها منهوبة، وأهلها مستعبدون، وكرامتها مهدرة، الحق فيها ضائع، والعدل عنها غائب، وكل فقير جائع، ثكلانا ملأت كل البقاع، والأيامى والأرامل والأيتام، يشكوننا جميعًا لله الواحد، فمن لهذا غيرك أيها الحبيب ، هيا أخي الحبيب فلتتعانق الأيادي لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وتحرير الأوطان، فلنجاهد في سبيل الله وليكن شعارك الدائم "الجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، فقد اختارك الله لهذا واصطفاك، وسيشهد عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)﴾ الحج.
11. أن تحاول دائمًا التفوق والبروز في عملك وأن تكون قدوةً صالحةً، بتفانيك في العمل وتفوقك فيه، لأن هذا هو باب الخروج لهذه الأمة مما هي فيه، فلن تنصلح أحوال هذه الأمة إلا بما انصلح به حال أولها، ولن ترتفع راية هذه الأمة إلا باللجوء إلى ربها ثم بعلم أبنائها وإمكاناتهم وعملهم وتفوقهم.
بالعلمِ والمالِ يبني الناسُ ملكهم **** لم يبن ملكٌ على جهلٍ وإقلال
ندعو الله أن يهدينا إلى ما يحب ويرضى وأن يستعملنا جميعًا لدينه ولا يستبدلنا، وأن يظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وأن يحرر بلاد وديار وعقول وإرادات المسلمين، وأن يقيض لنا من يقودنا لتحرير مقدسات المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومَن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع سنته إلى يوم الدين