قال له البحر:
أتذكر حينما كنت صغيراً عندما قال لك أبوك مبدياً حُبَّه الجم لطفله الصغير " أحبك بحجم البحر!" .
ذاك الحين صوّر لك عقلك الصغير أن لا شئ في حجم و
اتساع البحر ، ولكنك اكتشفت فيما بعد أن البحر لايسع الحب! ، إذ كيف يختصر الحب الذي له بداية ولا توجد له نهاية بشئ محصور ببداية ونهاية ؟! . ورغم ذلك ومنذ ذاك الحين أصبحت سلوتك ومنفاك وصديقك الذي تودعني أسرارك دون أن تخشى أن أفشيها .. بي تُسر نفسك وتهدأ وتسكن روحك وتسبح في فضاء من الذكريات وتكتسب مني الحكمة .
كنت تأتي إليَّ فقط عندما تكون حزيناً مهموماً فاقد الرغبة في تكملة المشوار .. أو ربما مخدوعاً من حبيب أو مطعوناً من صديق أو فقدت بعض أحلامك في طريق الحقيقة المرير!.
فيّ تسكب أحزانك وتلقي عن كاهلك حملاً يؤرقك وتغسل بمائي أدرانك .. ولم أذكر يوماً أنك قد أتيت إليَّ سعيداً وكأني لا أستحق أن أرى في عينيك تلك البسمة التي أطلبها منك في آخر كل لقاء وأنا أربت على منكبك برفق
"لا شئ يستحق .. لا شئ إطلاقاً!" . ومنذ أيام طفولتك الأولى وأنت تكتب على صفحة قلبك البيضاء أجمل لحظات العمر .. ومازالت ذكرياتك منقوشة فوق رمالي من وقت شروق الشمس وحتى غروبها .. وأحلامك تكبر وتصغر وتترنح وتتبدد مثل أمواجي! .
وبرغم سنوات عمرك القليلة وجسدك الهزيل إلا إنك استطعت وبمجهود مضن أن تشيَّد قصراً صغيراً فوق رمالي وأمام أمواجي التي تكاد تلامس أسوار القصر! .
كان قصراً يحاكي في جماله تلك القصور التي كنت تشاهدها في أفلام الكارتون! .
ورفعت راحتك الصغيرة الى السماء لعلك تلامس أقرب سحابة وتمنيت أن تمر الأيام سريعاً حتى تكبر وتلتقي بمن تحب وتأتي لتقضي معها أيام الحب بداخله .. تمضيان معاً وقت غروب الشمس تقطفان من ثمار الحديقة وتشاهدان الحب وهو يتسكع في الطرقات بحثاً عن أحد يؤمن به! .. وتجلسان معاً آخر المساء تحتسيان بعض الشراب وتكتبان ذكرياتكما على أوراق الشجر وعلى القمر! .
وتلاشى القصر والأحلام بمرور الأيام .. ولم يتبقى إلا الحب والبحر والقليل من البراءة .. فهل ستكفي لتكملة مشوار العمر؟! .
ثم عندما كبرت وتفتح عقلك .. إكتسبت مني الصفات الجميلة وابتعدت عن صفاتي السيئة! .
ومع مرور الأيام وجدت نفسك تتحول مثلي تمام بحر! .. تعطي بلا مقابل وتقدم الخير بلا حساب .. يسكب فيك الأصدقاء أحزانهم ويلقون همومهم ويوْدِعونك أسرارهم .. ولم يأتي إليهم أن البحر مثلهم يشعر بالحزن والغضب وله هموم في حاجة إلى من يحملها عنه! .
ونظرت الى نفسك ووجدت أنك تشبهني في غموضي .. لا أحد يفهمك سريعاً .. بل يحتاج أن يغوص في أعماقك ليكتشف الدرر الكامنة! .
واكتشفت لاحقاً أنك عصبي المزاج مثلي ومثل أمواجي تثور وتغضب .. ووجدت نفسك هادئ مثلي في بعض الأحيان .. وفي أحيان أخرى هادر مثل أمواجي! .
ونظرت الى قلبك ووجدت أنه صافي وعميق ويسع كل الناس مثلي .. فيك يغوص الأصدقاء بحثاً عن النصيحة ولكنك مازلت تخشى عندما يغوصون أن يجدوا ما أخفيته عنهم! .
لا تخافي يا حبيبتي فالبحر لا يظهر جميع مكنوناته! .