قال الله تعالى في سورة الأعراف واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وقال تعالى في سورة البقرة ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين وقال تعالى في سورة النساء أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وغيرهم هم أهل ايلة زاد ابن عباس بين مدين والطور قالوا وكانوا متمسكين بدين التوراة في تحريم السبت في ذلك الزمان فكانت الحيتان قد ألفت منهم السكينة في مثل هذا اليوم وذلك أنه كان يحرم عليهم الاصطياد فيه وكذلك جميع الصنائع والتجارات والمكاسب فكانت الحيتان في مثل يوم السبت يكثر غشيانها لمحلتهم من البحر فتأتي من ههنا وههنا ظاهرة آمنة مسترسلة فلا يهيجونها ولا يذعرونها ويوم لا يسبتون لا تاتيهم وذلك لأنهم كانوا يصطادونها فيما عدا السبت
قال الله تعالى كذلك نبلوهم أي نختبرهم بكثرة الحيتان في يوم السبت بما كانوا يفسقون أي بسبب فسقهم المتقدم فلما رأوا ذلك احتالوا على اصطيادها في يوم السبت بأن نصبوا الحبال والشباك والشصوص وحفروا الحفر التي يجري معها الماء إلى مصانع قد أعدوها إذا دخلها السمك لا يستطيع أن يخرج منها ففعلوا ذلك في يوم الجمعة فإذا جاءت الحيتان مسترسلة يوم السبت علقت بهذه المصايد فإذا خرج سبتهم أخذوها فغضب الله عليهم ولعنهم لما احتالوا على خلاف أمره وانتهكوا محارمه بالحيل التي هي ظاهرة للناظر وهي في الباطن مخالفة محضة فلما فعل ذلك طائفة منهم افترق الذين لم يفعلوا فرقتين فرقة أنكروا عليهم صنيعهم هذا واحتيالهم على مخالفة الله وشرعه في ذلك الزمان وفرقة أخرى لم يفعلوا ولم ينهوا بل أنكروا على الذين نهوا وقالوا لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا يقولون ما الفائدة في نهيكم هؤلاء وقد استحقوا العقوبة لا محالة فأجابتهم الطائفة المنكرة بأن قالوا معذرة إلى ربكم أي فيما أمرنا به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنقوم به خوفا من عذابه ولعلهم يتقون أي ولعل هؤلاء يتركون ما هم عليه من هذا الصنيع فيقيهم الله عذابه ويعفو عنهم إذا هم رجعوا واستمعوا قال الله تعالى فلما نسوا ما ذكروا به أي لم يلتفتوا إلى من نهاهم عن هذا الصنيع الشنيع الفظيع انجينا الذين ينهون عن السوء وهم الفرقة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر وأخذنا الذين ظلموا وهم المرتكبون الفاحشة بعذاب بئيس وهو الشديد المؤلم الموجع بما كانوا يفسقون ثم فسر العذاب الذي أصابهم بقوله فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وسنذكر ما ورد من الآيات في ذلك
والمقصود هنا أن الله أخبر أنه أهلك الظالمين ونجى المؤمنين المنكرين وسكت عن الساكتين وقد اختلف فيهم العلماء على قولين فقيل إنهم من الناجين وقيل إنهم من الهالكين والصحيح الأول عند المحققين وهو الذي رجع إليه ابن عباس إمام المفسرين وذلك عن مناظرة مولاه عكرمة فكساه من أجل ذلك حلة سنية تكرمة قلت وانما لم يذكروا مع الناجين لأنهم وان كرهوا ببواطنهم تلك الفاحشة إلا أنهم كان ينبغي لهم أن يحملوا ظواهرهم بالعمل المأمور به من الإنكار القولي الذي هو أوسط المراتب الثلاث التي أعلاها الانكار باليد ذات البنان وبعدها الانكار القولي باللسان وثالثها الانكار بالجنان فلما لم يذكروا نجوا مع الناجين إذ لم يفعلوا الفاحشة بل أنكروها وقد روى عبدالرزاق عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس وحكى مالك عن ابن رومان وشيبان عن قتادة وعطاء الخراساني ما مضمونه أن الذين ارتكبوا هذا الصنع اعتزلهم بقية أهل البلد ونهاهم من نهاهم منهم فلم يقبلوا فكانوا يبيتون وحدهم ويغلقون بينهم وبينهم أبوابا حاجزا لما كانوا يترقبون من هلاكهم فأصبحوا ذات يوم وأبواب ناحيتهم مغلقة لم يفتحوها وارتفع النهار واشتد الضحاء فأمر بقية أهل البلد رجلا أن يصعد على سلالم ويشرف عليهم من فوقهم فلما أشرف عليهم إذا هم قردة لها أذناب يتعاوون ويتعادون ففتحوا عليهم الأبواب
فجعلت القردة تعرف قراباتهم ولا يعرفهم قراباتهم فجعلوا يلوذون بهم ويقول لهم الناهون ألم ننهكم عن صنيعكم فتشير القردة برؤسها أن نعم ثم بكى عبدالله بن عباس وقال إنا لنرى منكرات كثيرة ولا ننكرها ولا نقول فيها شيئا وقال العوفي عن ابن عباس صار شباب القرية قردة وشيوخها خنازير وروى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد عن ابن عباس أنهم لم يعيشوا إلا فواقا ثم هلكوا ما كان لهم نسل وقال الضحاك عن ابن عباس أنه لم يعش مسخ قط فوق ثلاثة أيام ولم يأكل هؤلاء ولم يشربوا ولم ينسلوا وقد استقصينا الآثار في ذلك في تفسير سورة البقرة والأعراف ولله الحمد والمنة وقد روى ابن أبي حاتم وابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد أنه قال مسخت قلوبهم ولم يمسخوا قردة وخنازير وإنما هو مثل ضربه الله كمثل الحمار يحمل أسفارا وهذا صحيح إليه وغريب منه جدا ومخالف لظاهر القرآن ولما نص عليه غير واحد من السلف والخلف والله أعلم قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون تقدم ذكرها قبل قصة موسى عليه السلام قصة سبأ سيأتي ذكرها في أيام العرب إن شاء الله تعالى وبه الثقة قصة قارون وقصة بلعام تقدمتا في قصة موسى وهكذا قصة الخضر وقصة فرعون والسحرة كلها في ضمن قصة موسى وقصة البقرة تقدمت في قصة موسى وقصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت في قصة حزقيل وقصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى في قصة شمويل وقصة الذي مر على قرية في قصة عزير