لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره وتدبروا في حقيقة الدنيا ومصيرها إلى الآخرة
فاستوحشوا من فتنتها وتجافت جنوبهم عن مضاجعها وتناءت قلوبهم من مطامعها
وارتفعت همتهم على السفا سف فلا تراهم إلا صوامين قوامين , باكين والهين ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة تشير بعلو همتهم في التوبة والاستقامة وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات , وهاك طرفا من عباراتهم وعباداتهم :
قال الحسن : " من نافسك في دينك فنافسه , ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره "
وقال وهيب بن الورد "إن استطعت أن لا يسبقك الى الله احد فافعل"
وقال الشيخ شمس الدين التركستاني: "مابلغني عن احد من الناس انه تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه "
وقال أحد العباد : " لو أن رجلا سمع برجل هو أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غما , ماكان ذلك بكثير".
وقيل لنافع : " ماكان ابن عمر يصنع في منزله " ؟
قال : (الوضوء لكل صلاة, والمصحف فيما بينهما"
" وكان ابن عمر إذا فاتته صلاة الجماعة صام يوما , وأحيا ليلة وأعتق رقبة "
واجتهد أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته اجتهادا شديدا فقيل له (لوأمسكت أو رفقت بنفسك بعض الرفق ؟ " فقال:
"إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها أخرجت جميع ماعندها والذي بقي من أجلي أقل من ذلك " قال : فلم يزل على ذلك حتى مات .
وعن قتادة قال:قال مورق العجلي : " ما وجدت للمؤمن في الدنيا مثلا الامثل رجال على خشبة في البحر وهو يقول : "يارب , يارب " لعل الله أن ينجيه).
وعن أسامه قال: (كان من يرى " سفيان الثوري " يراه كأنه في سفينة يخاف الغرق أكثر
ما تسمعه يقول :" يارب سلم سلم" ).
وعن جعفر قال : ( دخلنا على أبي التياح نعوده , فقال : " والله إنه لينبغي للرجل المسلم أن يزيده ما يرى في الناس من التهاون بأمر الله أن يزيده ذلك جدا واجتهاد " , ثم بكى ) .
قيل لعامر بن عبدالله : " كيف صبرك على سهر الليل وظمأ الهواجر ؟ " , فقال : " هل هو إلا أني صرفت طعام النهار إلى الليل , ونوم الليل إلى النهار ؟ وليس ذلك خطير أمر " وكان إذا جاء الليل قال : " أذهب حر النار النوم " , فما ينام حتى يصبح .
وعن أحمد بن حرب قال : " ياعجبا لمن يعرف أن الجنة تزين فوقه , والنار تسعر تحته , كيف ينام بينهما ؟ "
المصدر: كتاب علو الهمة لمحمد أحمد إسماعيل المقدم