أجاب:
د. علي جمعة
مفتي الديار المصرية
عندما يحكم القاضي على شخص يقول: تحول أوراق المتهم إلى فضيلة المفتي... فماذا تفعل عندما تأتي لك هذه الأوراق؟ وهل لك أن تراجع القاضي في الحكم؟ هل لك أن تقول: المتهم لا يستحق الإعدام؟
هذا القول من القاضي هو ملزم به طبقاً للماده 238 بند "أ" من قانون الإجراءات الجنائية... فهي تنص على أنه عندما يحكم على شخص بالإعدام تحول أوراقه إلى المفتي.. فتأتيني القضية بحالها، وتدرسها دار الإفتاء.. ودار الإفتاء فيها مجموعة من المستشارين والمتخصصين القانونيين، وهم أيضاً شرعيون... يدرسون القضية المعروضة عليهم... ويتأكدون من أن الحكم موافق لمقتضيات القضية، وحيثياتها، وما هو موجود ظاهر في الأوراق.
والحقيقة أن القضية عندما تأتيني تأتي وكأنها منتهية، وذلك لأن القاضي الذي حكم عنده ضمير، يخاف أن يعدم إنساناً ظلماً ولذلك فهناك يحول لي ما بين 70 إلى 80 قضية في السنة كلها، ومعنى هذا أنه قد استوفى كل ما يمكن أن تستوفيه من ضمانات وإجراءات... ولذلك فالقضية المحكوم فيها بالإعدام غالباً ما يكون فيها اعتراف، أو قرائن قاطعة على ذلك.. وجرائمها بشعة ومقززة... وأنا خلال مدة عملي في الإفتاء منذ عام ونصف تقريباً... رددت قضية واحدة فقط من الـ 80 قضية، وسبب ردي لهذه القضية أنني لم أجد أن هناك شيئاً صريحاً يؤكد الجريمة على المتهم.
ودار الإفتاء المصرية طوال حياتها لم ترد إلا أشياء بسيطة لا تتعدى أصابع اليدين... وردي أنا غير ملزم، ولكنه يجعل القاضي ينظر مرة أخرى، مزيداً من النظر فيما قال، يراجع نفسه مرة ثانية وثالثة... إلى أن يقول: نعم، أنا مع هذا الرأي الذي قاله المفتي، أو يقول: أنا مصر على رأيي، لأن المفتي وإن التفت إلى كذا أغفل كذا أو أي شيء من هذا القبيل، ولكنها عملية تجعل القاضي يراجع نفسه بعض الشيء.
فضيلة الإمام "محمد سيد طنطاوي" وهو في الإفتاء رد قضية، وقال: إن هؤلاء لا يستحقون الإعدام، بل يستحقون أي تعزير آخر.. فلما رد القضية وبحثها القاضي، وبحثتها المحكمة مرة ثانية حكمت بالبراءة، ليس فقط تنتقل من الإعدام إلى التعزير، فلما ردت المحكمة وأعادت النظر فيها بقلب منفتح، ونظروا إلى رأي المفتي الذي يسأل هل يجوز ذلك الحكم شرعاً أم لا؟ فلما رد عليهم ونظر في رأيه، وبحثوها حكموا بالبراءة.
هل أوراق غير المسلمين المحكوم عليهم بالإعدام تحول إلى فضيلتكم أيضاً؟
نعم هو مواطن واحد، قانون واحد، انتقلنا منذ 1852 من فكرة أهل الذمة وأهل العهد إلى فكرة المواطنة... وفي المواطنة ليس هناك من يَحمي ومن يٌحمي.. بل إن الجميع يحمون وطناً واحداً... يشتركون في جيش واحد... يعيشون عيشة واحدة... الوطن هو مظلمتهم جميعاً... فانتقلنا نهائياً من فكرة الذمة إلى فكرة المواطنة... وفكرة المواطنة فيها المساواة التامة في الحقوق والواجبات... في كل شيء، ليس هناك أي فرق.