إنَّ الإحسانَ إلى الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ، وفي حديثٍ صحيح: « يقول الله جل وعلا للعبد يوم القيامة: يا ابن آدم، مرضت فلم تعدني، فيقول: يا رب، كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني. ويقول: يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني؟ فيقول: يا رب، كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلانا استسقاك فلم تسقه؟ أما علمت أنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي. يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، فيقول: يا رب، وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: ألم تعلم أن عبدي فلانا استطعمك فلم تطعمه، أما لو أنك أطعمته لوجدت ذلك عندي» [صحيح ابن حبان: 4/381].
هنا لفتةٌ وهي وجدتني عندهُ، ولم يقلْ كالسابقتين: وجدته عندي؛ لأنَّ الله عند المنكسِرة قلوبُهم، كالمريض.
وفي الحديثِ: ((في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ)). واعلمْ أنَّ امرأةً بغِيّا منْ بني إسرائيل دخلت الجنة؛ لأنها سقتْ كلبا على ظمأ. فكيف بمنْ أطعمَ وسقى، ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ؟!
قال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كان لهُ فضلُ زادٍ وقدْ صحَّ عنهُ فليَعُد بهِ على مَنْ لا زاد لهُ، ومنْ كان له فضلُ ظهْرٍ فليعدْ بهِ على منْ لا ظهر لهُ)). أي ليس لهُ مركوبٌ.
الجار اليهودي!
وكان ابنُ المباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ، فكان يبدأ فيُطعم اليهوديَّ قبل أبنائهِ، ويكسوه قبل أبنائِه، فقالوا لليهوديِّ: بعنا دارك. قال: داري بألفيْ دينارٍ، ألفٌ قيمتُها، وألفٌ جوارُ ابن المباركِ. فسمع ابن المباركِ بذلك، فقال: اللهمَّ اهدِهِ إلى الإسلام. فأسلم بإذنِ اللهِ.
ومرَّ ابنُ المبارك حاجًّا بقافلةٍ، فرأى امرأةً أخذتْ غُرابا مْيتا من مزبلةٍ، فأرسلَ في أثرِها غلامه فسألها، فقالتْ: ما لنا منذُ ثلاثةِ أيامٍ إلا ما يُلقى بها. فدمعتْ عيناهُ، وأمر بتوزيعِ القافلةِ في القريةِ، وعاد وترك حجّته تلك السنةِ، فرأى في منامِهِ قائلا يقولُ: حجٌّ مبرورٌ، وسعيٌ مشكورٌ، وذنبٌ مغفورٌ.
ويقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ?وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ?.