إنَّ في منْعِ النَّفس عن إمْضاء رغبتِها، والحيلولةِ بينها وبين شهوتِها - ثِقَلاً على تلك النفس، وله حسرة لا يستطيع العبدُ مقاومتَها، إلاَّ إذا علِم أنَّها حسرةٌ تَمنع بوجودها حسرتين، فهِي حسرة يسيرة على فوات لذَّة معكَّرة، في مقابل حسرتين عظيمتين:
أولاهنَّ:
عند فوات النَّعيم الأبَدي والأنس السَّرمدي، ورؤْية أهلِه وهم بنجاتِهم وبتحقُّق رجائِهم فرِحون، يدخلون إلى دارٍ عَلِموا عنها ما أعْلَمَهم بها الله، وأيْقنوا بها كما أمرهم الله، وعمِلوا بأسباب حصولِها راغبين في الثَّواب من عند الله، يدْخلون إليْها زُمَرًا وهم كضيض من الزِّحام، متشابكة أياديهِم كما كانت في الدُّنيا قلوبهم، يضجُّون بالذِّكْر والتَّسبيح: {الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 43].
والحسْرة الثَّانية:
بدخوله النَّار، موطن سخط الله العزيز الجبار، من بعد أن سمِعت آذانه زفيرها، ورأت عينه سوءَ هوْلِها ومصيرها، وأحسَّ جسدُه عظم حرِّها وزمهريرها، يلْقَى فيها من مكان ضيِّق مقرَّنًا، فحينئذٍ يندم ندمًا لا ينفعه، ويوقِن يقينًا لا يمنعه، ويبكِي بكاءً من خشية الله هو له جحيم، يزيد على ما به من جحيم.
وبعدُ، فإنَّك - عبدَ الله - بقدر إيمانك بتلك الحقائق والحسَرات تَهون عندك حسرةُ فواتِ الذنب، وهذا ما جعل أهْلَ الإيمان من أبْعَد النَّاس عن الوقوع في ما حرَّم الله.
وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبِه وسلَّم