لماذا الزواج؟..
الزواج من أعظم النعم التي امتن الله سبحانه وتعالى بها على عباده؛ لما ينتج عنه من الطمأنينة التي تملأ قلب الزوجين؛فإذا بحياتهما تمتلئ غبطة؛وتشع سروراً،وتستأنس ابتهاجاً؛ولذلك قال الله تعالى وهو أصدق القائلين والعالم بمكنون النفوس وبواطن القلوب وأسرار الصدور: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون".
وليُتأمل كيف قال الله سبحانه :"لتسكنوا إليها" ولم يقل: "معها" لأن السكن مع الشيء يكون مع محبتك له وعدم محبتك؛أما السكن إلى الشيء فإن فيه معنى أكبر من الأنس والألفة والمحبة والميل والطمأنينة.
فمهما طال بحث الرجل في حياته عن شريك يطمئن إليه وتهدأ نفسه بالقرب لديه؛فلن يجد كالزوجة، والعكس بالعكس.
فهذه هي الفطرة التي لا محيص عنها والحقيقة التي لا جدال فيها؛ومن تأمل ذلك سعى سعياً حثيثاً ليبحث عن شطره المفقود، لعله يجده في شخص تقر عينه به؛وتسكن نفسه إليه، ولربما وجد عنده السعادة التي طالما أحس بمكانها شاغراً في قلبه، فلما توّج انفراده بالزواج سدّ تلك الخَلّة، وأصلح ذلك الخلل.
وكم حري بالرجل حين انطلاقه للبحث عن مؤانسته ورفيقة دربه الذي ربما يطول، أن يستحضر حديث النبي صلى الله عليه وسلم :" الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة"؛ فيشحذ همته أن تكون المرأة التي سيرتبط بها "صالحة" بما تعنيه هذه الكلمة ؛ فهذه الدنيا بأسرها ما هي إلا متاع، وخير ما يستمتع فيه العبد فيها امرأة صالحة؛ تكون زينة لبيته؛ت قرب البعيد وتؤنس المستوحش، إذا نظر إليها سرته؛ وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله..
وقد قيل :
أفضل ما نال الفـتى . . . بعد الهدى والعافية
قرينــــــــــةٌ مسلمــةٌ . . . عفيفـــــــةٌ مــواتية
كما أنه حري بالمرأة إنْ تقدم لها رجل أن تنظر إلى صلاح دينه وأخلاقه،فإذا ارتبطت به فلتستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً المرأة وحاثاً لها على حسن صحبة الزوج : " هو جنتك ونارك".
إن هذه الأحاديث النبوية، والسنن المرضية مما يجعله المرء كالقاعدة التي ينطلق منها حين البحث عن شريك الحياة؛ الذي إن أصلح الله حاله عاد بالسعادة على رفيق دربه وشريك عمره وقسيم دهره ؛ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثة من السعادة ؛وثلاثة من الشقاء؛ فمن السعادة: المرأة الصالحة؛تراها فتعجبك؛وتغيب عنها فتأمنها على نفسها مالك؛والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك،والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاء: المرأة التي تراها فتسوؤك،وتحمل لسانها عليك،وإن غبت عنهالم تأمنها على نفسها ومالك،والدابة تكون قطوفاً؛فإن ضربتها أتعبتك؛وإن تركتها لم تلحقك بأصحابك؛والدار تكون ضيقةً قليلةَ المرافق".
وقال علي رضي الله عنه:"من سعادة الرجل أن تكون زوجته صالحة؛وأولاده أبرارا؛ وإخوانه شرفاء؛وجيرانه صالحين؛ وأن يكون رزقه في بلده".
وهكذا الحال بالنسبة للمرأة، فإن من أعظم السعادة أن يكون لها زوج صالح،يؤنس وحشتها؛ويعينها في محنتها؛ويكون لها ركناً شديداً تأوي إليه وقت خوفها؛وخلو حياتها من أنيس.
إن منتهى الحسرة أن ترى بعض الأزواج المتآلفين وقد ابتنوا عشاً جميلاً من السعادة، تحوطه الأحلام السعيدة، والآمال المفرحة، ثم في لحظة عجلة أو تدخلات خارجية لا تحب الخير للمسلمين، يُدمَّر هذا العش الساكن؛ وتعود الحياة النضرة إلى صورة قاتمة موحشة،وتلك الواحةُ الخضراءُ إلى صحراء جافة لا حياة فيها،وذلك القلب النابض إلى قلب ساكن لا نبض فيه ولا شعور.
وكم هي حسرة أن تخسر المرأةُ في ساعة عجلة؛زوجاً يعادل وزنه بالذهب؛أو يخسر الرجلُ امرأة لا يُجارى وصفها،وقليل مثيلاتها؛جمعت من الأوصاف ما حَسُن،ومن الذكر أطيبه،لا يُسمع لها همس بسوء، ولا كلمة بريبة، تُشترى بأعظم الأثمان عند من يثمن، جمعت ( ديناً ودنيا).
فيفرط بمثل هذه في حالة غضب أو اضطراب نفسي؛أو بسبب وشاية حاسد؛فيعود أمره إلى ندم؛ويكون حاله كما قال الأول:
ندمت ندامـة الكُسعيِّ لمّا . . . غـدت مني مطلقةً نَـوارُ
إن من الضروري بمكان أن يتأمل العاقلُ في أمره؛ ويقلب النظر في حاله طويلاً حين يعامل شريكه، مما يدفعه للصبر على ما يرى منه مما لا يبلغ وقوعه أن يكون خطأً جسيماً.
فيا أيها الأزواج : تأملوا..
لو أن لأحدكم صديقاً سافر معه مدة شهر، هل يتصور أنه لن يحدث بينهما سوء تفاهم؟..؛ ألا ترون أن من طالب بذلك فقد تقحم المستحيل؟! فكيف بامرأة تعيش معك عمراً، أو رجل يعيش معك عمراً؟؛ هل تريد منزهة عن الخطأ، أو تريدين معصوماً من الزلل؟!
إن من لم يعاشر رفيقه وشريك حياته على لزوم الإغضاء عما يأتي من المكروه- مما لا يعد من القوادح في الدين أو الأخلاق- كان إلى تكدير عيشه أقرب منه إلى صفائه، ولعل ذلك مما يدفعه مع الوقت إلى العداوة والبغضاء، إلى أن يفلس من نيل الوداد والمحبة.
لا أبالغ لو قلت: إن ضيق نفوس الناس عن تقبل العذر، وعدم غض البصر عن الأخطاء هو سبب دمار البيوت؛ والعاقل من قدر للأمر قدره فأعد له عدته من الرفق والحكمة، ولا يكاد المرء يتمكن من بغيته في سلوك قصده – فيما يحب – إلا بمقارنة الرفق وترك العجلة .
كما أنه مما يجب الانتباه إليه؛ أنْ يعرف الزوجان أن الأيام الأولى للزواج هي فترة لمعرفة النفسيات ودراسة كل من الزوجين لأخلاق الآخر؛ع لى شيء من الخوف والحذر، وكم تسبب إهمال فهم هذه المرحلة بتشتيت الشمل، ودمار المنزل قبل تأسيسه .
والعاقل الفطن هو الذي يفهم – على عجالة – نفسيات شريكه؛ وما يحبه ويكرهه؛ وسلبياته وإيجابياته؛ فيعامله من خلال هذا المنطلق.
إن إنشاء أسرة متفاهمة ليس بالأمر السهل؛ ولذلك من أحسن إتقان هذا الصرح أعقبه ذلك سعادة لا تنقطع ، وهناءً لا يُمل.
أما سمعت قول المؤمنين المخبتين؛ وهم يدعون ربهم سبحانه بأن يرزقهم من الزوجات ما تقربه أعينهم ،فقال سبحانه عنهم:"والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما"..
وأنت لو نظرت إلى أي فرد منتج في أي مجال؛ لعلمت أن وراءه بيتاً سعيداً وهدوءاً نفسياً ؛والعكسُ بالعكس.!؛فمن الصعب أن ينتج المرء في عمله أو حياته؛وأن ينتشر نفعه في الناس وهو يعاني من خلل في بيته؛ وصراعات نفسية؛ ومشاكل لا حدود لها؛ بل تجده أحوج ما يكون إلى الإنتاج والعمل؛ منشغلا في ذات نفسه؛ كلما بنى زاوية فإذا بها تنهار زاوية أخرى.